افرازات منهجيات الجرح والتعديل على رواية الفضائل الحلقة الرابعة: رد أحاديث الراوي الشيعي في العصر العباسي

فضائل الإمام علي عليه السلام

افرازات منهجيات الجرح والتعديل على رواية الفضائل الحلقة الرابعة: رد أحاديث الراوي الشيعي في العصر العباسي

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 05-10-2022

بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير الأنام ابي القاسم محمد وعلى آله الهداة الاخيار.

أما بعد:
إن رد أحاديث الراوي الشيعي واتهامه بالرفض، قد امتد في العصر العباسي إلى أئمة آل البيت بفعل عداء الحكام العباسيين لهم، فهم يرونهم المنافس الحقيقي على الخلافة، والوجه الناصع المقبول علمياً واجتماعياً أمام العامة، وقد أدى ذلك إلى تدارك نشاط الإمام جعفر الصادق (83–148هـ/702–765م) في الرواية–في بداية العصر العباسي–الذي أثمر مدرسة علمية ضمت آلاف الرواة[1]، فجرت محاولة رفع وثاقة شيعة الإمام الصادق وأولاده من الأئمة كالإمام موسى الكاظم (128–183هـ/745–799م)، والإمام علي ابن موسى الرضا (148–203هـ/765–818م)[2]، بل شملت المحاولة الإمام الصادق نفسه، فلم يكن مالك بن أنس (ت179هـ/795م) يروي عنه حتى يضمه إلى أحد[3]!!!، وكان يحيى بن سعيد القطان (ت198هـ/813م) يقول: ((في نفسي منه شيء))[4]!!!، ولم يحتج البخاري (ت256هـ/869م) به فيما نقله من روايات!!![5] وما أوهن مسوغات هؤلاء جميعاً في عدم الأخذ من الإمام جعفر الصادق، فابن سعد (ت230هـ/844م) يذكر أنه ((كان كثير الحديث ولا يُحتجُّ به، ويُسْتَضْعَفُ، سُئِل مرة سمعت هذه الأحاديث من أبيك؟ فقال: نعم، وسُئل مرة فقال: إنما وجدتها في كتبه))[6] ولا ندري ما هو الخلل في رواية الإمام من أحاديث أبيه، أو من كتب آبائه الطاهرين ممن دونوا علومهم في صُحف جامعة في وقت مبكر يسبق تاريخ التدوين الرسمي[7] بل لقد هوجمت الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام إذا كان في سندها أخص الناس به، وهم أولاده، فقال ابن حبان (ت354هـ/965م): ((جعفر بن محمد.. وكان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً روى عنه الثوري ومالك وشعبة والناس. يحتج بروايته ما كان من غير رواية أولاده عنه لأن في حديث ولده عنه مناكير كثيرة))!![8].
ولا نحسب تلك المناكير إلاّ روايته في فضل الإمام علي، ومنزلة آل البيت التي كانت تُعد حيناً مناكير وحيناً غلواً وحيناً رفضاً.
وهكذا تُغلق كتب الجرح والتعديل الباب في وجه هذه الروايات بوسيلة التجريح التي تذكر علتها أحياناً بكون الراوي شيعياً، أو لا تذكر وإنما يقتصرون على مجرد القول: (فلان ضعيف)، و (فلان ليس بشيء)، و (فلان متروك)، ونحو ذلك ليعوّل عليها الناس في رد حديث الرواة، ويبدو أن فائدتها ليست في اعتمادها للحكم بالجرح فحسب وإنما ((في إثارة الريبة حول مَنْ جرحوه والتوقف في أمره، فلا يُقبل حديثه إلاّ إذا انزاحت هذه الريبة عنه وحصلت الثقة به))[9] وهذا ما وجدنا نموذجه في إثارة الريبة في حديث الإمام الصادق عليه السلام وإعراض البخاري عن الاحتجاج بروايته، أو الأخذ عنه، وإذا عرفنا منزلة البخاري في منظومة التدوين السُّنية الرسمية تغدو أبعاد هذا الفعل واضحة للعيان)[10].

الهوامش:
[1] ينظر: الشيخ المفيد، الارشاد، 2/179؛ ابن شهرآشوب، المناقب، 4/268–269.
[2] للتدليل على ذلك ينظر ما ذكره ابن حبان (ت354هـ/965م) في ترجمة الإمام الرضا عليه السلام قال: ((من سادات أهل البيت وعقلائهم وجلة الهاشميين ونبلائهم يجب أن يعتبر حديثه إذا روى عنه غير أولاده وشيعته وأبي الصلت خاصة، فإن الأخبار التي رويت عنه بواطيل إنما الذنب فيها لأبي الصلت، ولأولاده وشيعته...))!!!.
كتاب الثقات، 8/456؛ البدري، المدخل إلى دراسة السيرة، ص475.
ومما يجدر توضيحه أن أبا الصلت الوارد ذكره في هذا النص هو: عبد السلام بن صالح الهروي.
قال عنه يحيى بن معين: ((ثقة صدوق إلاّ أنه يتشيع... ولم يكن أبو الصلت عندنا من أهل الكذب)) ذنبه الوحيد أنه ممن روى حديث فضيلة الإمام علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله ((أنا مدينة العلم وعليّ بابها)). فقال عنه العقيلي: رافضي خبيث، كذاب. ينظر في توثيقه وحديثه، ابن حجر، تهذيب التهذيب، 2/576–577.
ولحديث الباب وتصحيحه ودفع الشبه عنه ينظر: الغماري المغربي، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي، ص66–291.
[3] الذهبي، ميزان الاعتدال، 2/144؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/310.
[4] الذهبي، ميزان الاعتدال، 2/144.
[5] الذهبي، ميزان الاعتدال، 2/144. ويبدو هذا غريباً في الوقت الذي عاش فيه البخاري في المدينة المنورة عامين، وكان بعض شيوخه من تلاميذ الإمام الصادق مثل سفيان الثوري (ت161هـ/777م) وسفيان بن عيينة (ت198هـ/813م). ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/310؛ الحيدري، السلطة وضاعة الوضع، ص189.
[6] ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/311.
قال الإمام الصادق عليه السلام: ((حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله ، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجل)). الكليني، الكافي، 1/31.
وأين هذا من أقوال مَنْ يعتمد الرأي والقياس ويترك حديث رسول الله صلى الله عليه وآله. الجلالي، تدوين السنة، ص542.
[7] ينظر لهذا الغرض الدراسة القيمة للجلالي، تدوين السنة، ص113–195.
[8] ابن حبان، الثقات، 6/131–132؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/311؛ البدري، المدخل إلى دراسة السيرة، ص473.
[9] السيوطي، تدريب الراوي، ص265؛ الصالح، علوم الحديث ومصطلحه، ص134.
[10] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 148-151.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2786 Seconds