بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والصلاة والسلام على ابي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم الى قيام يوم الدين.
أما بعد:
التطير في اللغة: هو التشاؤم من الأمر، ونقيضه التفاؤل؛ قال ابن منظور:
(والطَّيْرُ: الاسمُ من التَّطَيّر، ومنه قولهم: لا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُ الله، كما يقال: لا أَمْرَ إِلَّا أَمْرُ الله؛ وأَنشد الأَصمعي، قال: أَنشدناه الأَحْمر:
تَعَــــــلَّـمْ أَنــــه لا طَـــــــيرَ إِلَّا على مُتَطيِّرٍ، وهــو الثُّبورُ
بلى شَيءٌ يُوافِقُ بَعْضَ شيءٍ، أَحايِينــــاً، وباطلُـــه كَثِيرُ
وفي فلان طِيْرةٌ وطَيْرُورةٌ أَي خِفَّةٌ وطَيْشٌ؛ قال الكميت:
وحِلْمُك عِزٌّ، إِذا ما حَلُمْت، وطَيْرتُك الصابُ والحَنْظَلُ
ومنه قولهم: ازجُرْ أَحْناءَ طَيْرِك أَي جوانبَ خِفّتِك وطَيْشِك .
والطائرُ: ما تيمَّنْتَ به أَو تَشاءَمْت، وأَصله في ذي الجناح؛ وقالوا للشيء يُتَطَيَّرُ به من الإِنسان وغيرِه)[1].
ثانياً: استمرار عقيدة التطير في المجتمع بعد الإسلام.
يشغل التطير -كعقيدة نافذة في المجتمع العربي قبل الإسلام- حيزاً كبيراً بين الناس وليمتد إلى يومنا هذا على الرغم من نهي النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن لهذه العقيدة التشاؤمية في الغالب.
1- قال تعالى:
{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [يس/18-19].
وقد روى أحمد في المسند عن معاوية بن الحكم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أرأيت أشياء كنا نفعلها في الجاهلية، كنا نتطير.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«ذلك شيء تجده في نفسك فلا يصدنك».
قال يا رسول الله: كنا نأتي الكهان، قال (صلى الله عليه وآله وسلم):
«فلا تأتٍ الكهان»[2].
ومن ذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«الرؤيا على الرجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت فلا تحدثن بها ألا حبيباً أو لبيبا».
(والمراد بالطائر ها هنا الذي يتطير به، ومنه قوله تعالى:
{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء/13].
أي ما يتطير منه ويخاف وقوعه به من جزاء أعماله السيئة وأوزاره المثقلة، وذلك مأخوذ من زجر الطير على مذاهب العرب، وكانوا يتيمنون بأيمانها ويتشاءمون بأشآمها، وعلى ذلك قول الشاعر:
ولــــقد غـــدوت وكنت لا أغـــــدو عـــلى واق وحــــاتم
فــإذا الأشـــائم كالأيـــامن والأيــــامن كالأشــائم[3]
والواق: بكسر القاف الصرد، كأنهم سموه بحكاية صوته.
قال الشاعر:
ولــيس بهيــاب، إذا شـــد رحــــلـه يقــول عدانــي اليـوم واق وحـاتم
ولكنه يمضي على ذاك مقدما، إذا صد عن تلك الهنات الخثارم[4]
والحاتم ال غراب، والخثارم المتطير.
وكأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل رؤيا الإنسان التي يترّوع لها ويخاف ضررها بمنزلة الشيء الذي يتطير به، وقد يجوز أن يكون ويجوز ألا يكون، فإذا عبرها خبرت له على ما يكره وقع متوقعها وخلص للشر مجوزها)[5].
وأصل: التطير أو العيافة أو زجر الطير، هو: (إن يرمي الرجل الطير بحصاة ويصيح، فإن ولاه في طيرانه ميامنه تفاءل به، وإن ولاه مياسره تطير، وذلك ما يعرف بـ (السانح) و(المانح).
وقد رسخت هذه المعتقدات في نفوس العرب، وتمارس في كل مظهر من مظاهر حياتهم مع اختلاف بعض تفاصيلها، ولم يكن العرب كلهم متفقين على أمر السانح والمانح، فأهل نجد يتيمنون بالسانح، وأهل الحجاز يتشاءمون به[6].
وفيه يقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):
«الطيرة والعيافة، والطرقُ من الجبت».
وقال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام):
«والْفَأْلُ حَقٌّ والطِّيَرَةُ لَيْسَتْ بِحَقٍّ» [7].)[8]
الهوامش:
[1] لسان العرب، مادة (طير): ج4 ص510.
[2] مسند أحمد: ج3، ص443.
[3] غريب الحديث، ابن قتيبة الدينوري: ج2 ص204 .
[4] المصدر السابق.
[5] المجازات النبوية للشريف الرضي: ص342.
[6] المعتقدات الشعبية في الموروث الشعري: ص9.
[7] نهج البلاغة: ص546.
[8] ينظر: أثر الميثولوجيا العالمية في تكوين عقائد العرب قبل الإسلام، السيد نبيل الحسني: ص104-108 أصدار العتبة الحسينية المقدسة – مؤسسة علوم نهج البلاغة/ ط1 دار الوارث- 2022م.