بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير الأنام ابي القاسم محمد وعلى آله الهداة الاخيار.
أما بعد:
لقد تصاعدت وتيرة الطعن على الرواة برواية الفضائل حتى طالت عدداً من علماء أهل السنة، ووصل الأمر إلى أنهم قدحوا بمحمد بن جرير الطبري (ت310هـ/922م) لتصحيحه حديث الموالاة[1]، وقدحوا بالإمام الطحاوي (ت321هـ/933م)، والحاكم النيسابوري (ت405هـ/1014م) لأنهما صححا حديث رد الشمس!![2].
ولعل ذلك يرجع إلى سببين أساسيين[3]:
أولهما: أن بعضهم–إذا أردنا أن نُحسن الظن–قد غَفل عن تواتر أو مشهورية فضائل علي (عليه السلام) فضلاً عن صحتها؛ لذا فإنه حين (تفاجئه) روايات الفضائل من محدث أشعري أو غيره يتفادى استغرابه بأن يوعز أسباب رواية مثل هذه الفضائل إلى كون الراوي يتشيع، دون الالتفات إلى كون الراوي لم يسلك في روايته سوى طرق التصحيح الإسنادي الذي تُقرّه مدارس الجرح والتعديل السلفي ولم يتجاوز في ذلك ما قررته منهجية الرواية لدى أهل السلف، مراعياً في ذلك ضوابط الجرح والتعديل، ومع هذا فلا يمكن أن يتغافل عن فضائل علي (عليه السلام) التي تبلغ حد التواتر فضلاً عن المستفيض والمشهور.
ثانيهما: وهو ما يمكن ترجيحه على غيره من الأسباب، أن فضائل علي (عليه السلام) ستفتح باب الطعن على مشروعية خلافة الشورى والإجماع ومبانيها، ولذا فإن أقصر الطرق في الغاء وشطب هذه الفضائل هو نسبة التشيع إلى رواتها، ومن ثمّ توهين وثاقة الراوي وحجيته–على مبنى أهل السلف–وبذلك ستتمكن مدارس السلف من مشكلة الطعن على مشروعية الخلافة من خلال رواية فضائل علي (عليه السلام) التي تلزم تفضيله على غيره.
ولا نغالي إذا عممنا هذين السببين على جميع مشاريع الجرح والتعديل التي تتهم الراوي (السني وغيره) الراوي لفضائل علي [عليه السلام] بالتشيع)[4].
الهوامش:
[1] حتى أن الحنابلة كانت تمنع من الدخول عليه. ينظر: ابن حجر، لسان الميزان، 5/757–758، ودفن في داره لأن بعض عوامهم ورعاعهم منعوا من دفنه. وحديث الموالاة هو: «مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه». وذكر الذهبي: أن الطبري ((لما بلغه أن ابن أبي داود تكلم في حديث غدير خم عمل كتاب الفضائل وتكلم على تصحيح الحديث [و] رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير [وهو حديث غدير خم]، فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق)). تذكرة الحفاظ، ص202–203.
[2] أخرج أبو جعفر الطحاوي بسنده عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت عميس، قالت: ((كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوحى إليه ورأسه في حجر علي، فلم يُصلِّ حتى غربت الشمس، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): صليت يا عليّ؟ قال: لا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس. قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعدما غربت)) وكذلك رواه بطريق آخر، وورد حديث رد الشمس عن عدد من الصحابة منهم: الإمام علي، الإمام الحسين، جابر بن عبد الله الأنصاري، أبو سعيد الخدري، أبو رافع، أبو هريرة، أنس بن مالك، عبد الله بن عباس وغيرهم. وصححه عدد من الحفاظ.
ينظر: مشكل الآثار، 2/8–9، ابن عساكر، ترجمة الإمام علي، 2/283–305.
أما الحاكم النيسابوري فإن استدراكه على البخاري ومسلم في كثير من الأحاديث في فضل الإمام علي–وعلى شرط الشيخين–قد عرّى دعاوى التوثيق المطلق لهما، وأبطل خصوصية الشيخين في الضبط والإحصاء للأحاديث النبوية، وأكد إخفاءهما لكثير من فضائل الإمام علي التي تُلزم تقديمه على غيره.
ينظر: الحلو، تاريخ الحديث النبوي، ص3–4. وينظر: دفع دعوى التشيع عن الحاكم في المصدر نفسه، ص399–402.
[3] الحلو، تاريخ الحديث النبوي، ص398–399 وينظر: الحلي، سنة الرسول المصطفى، ص488.
[4] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 146-148.