بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي
الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
وبعد:
شرح الألفاظ الغريبة:
تحرزون أنفسكم: تحفظونها من الهلاك الأبدي[1].
شرح ابن ميثم البحراني:
التنبيه على أخوف الأمور التي ينبغي أن تخاف لتجتنب، وهو الجمع بين اتباع الهوى، وطول الأمل.
وسيذكر عليه السلام هذا الكلام في موضع آخر مع ذكر علة التحذير من هذين الأمرين وسنوضع معناه هناك.
ويكفي هاهنا أن يقال: إنما حذر منهما عقيب التنبيه على الظعن والأمر باتخاذ الزاد؛ لكون الجمع بينهما مستلزماً للإعراض عن الآخرة، فيكون مستلزماً لعدم الظعن وعدم اتخاذ الزاد فخوف منهما ليجتنبا. فيحصل مع اجتنابهما الإقبال على اتخاذ الزاد والأهبة للظعن، ولذلك أردف التخويف منهما بالأمر باتخاذ الزاد وفي قوله: ((من الدنيا في الدنيا)) لطف فإن الزاد الموصل إلى الله تعالى إما علم أو عمل، وكلاهما يحصلان من الدنيا.
أما العمل: فلا شك أنه عبارة عن حركاتٍ وسكناتٍ تستلزم هيئات مخصوصة إنما تحصل بواسطة هذا البدن، وكلّ ذلك من الدنيا في الدنيا.
وأمّا العلم: فلأنّ الاستكمال به إنّما يحصل بواسطة هذا البدن أيضاً: إمّا بواسطة الحواس الظاهرة والباطنة، أو بتفطّن النفس لمشاركات بين المحسوسات ومباينات بينهما، وظاهر أنّ ذلك من الدنيا في الدنيا.
وأشار بقوله: ((ما تحرزون أنفسكم به غداً)) إلى أنّ كلّ زاد أعدّ به الإنسان نفسه للوصول إلى جوار الله؛ فقد تَدَرَّعَ به من عَذاِبِه وحفظ به نفسه يوم لا ينفع مال ولا بنون.
وقد اشتمل هذا الفصل على استدراجات لطيفة لانفعالات عن أوامر الله وزواجره، وإذا تأمّلت أُسلوب كلامه عليه السلام، وراعيت ما فيه: من فخامة الألفاظ، وجزالة المعاني المطابقة للبراهين العقلية وحسن الاستعارات و التشبيهات ومواقعها، وصحّة ترتيب أجزائه، ووضع كلّ ما يناسب؛ وجدته لا يصدر إلاّ عن علم لدنيّ وفيض ربانّي، وأمكنك حينئذٍ الفرق بين كلامه عليه السلام وكلام غيره والتمييز بينهما بسهولة. وبالله العصمة والتوفيق[2])([3]).
الهوامش:
[1] شرح الألفاظ الغريبة لصبحي صالح: 575.
[2] شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني 2: 48-49/ شرح الخطبة رقم 27.
([3]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 20-22.