من كلام الإمام علي (عليه السلام) في كتب غريب الحديث قال عليه السلام: ((ونَظم رَهوَات فُرَجِها))

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من كلام الإمام علي (عليه السلام) في كتب غريب الحديث قال عليه السلام: ((ونَظم رَهوَات فُرَجِها))

88 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 17-03-2025

بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر

الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:
ورد حديث الإمام(عليه السلام) الذي يَصِفُ السماء قوله: ((ونَظم رَهوَات فُرَجِها))([1])، ومنهم من ذكر حديثه(عليه السلام) في وصف السماء: ((ونَظَمَ بلا تعليقٍ رَهَواتِ فُرَجِها))([2]).

لقد رسم الإمام (عليه السلام) في كلامه صورة رائعة بليغة عن الخلقة العجيبة للسموات، فأشار إلى بداية خلقها على أنّها كانت بمثابة كتلة غازية عظيمة([3])، وقدر ما خلق فأحكم تقديره،((فناداها بعد إذ هي دخان فالتحمت عرى أشراجها...))([4])، فتبارك  الله أحسن الخالقين. وللإمام علي(عليه السلام) أحاديث عدَّة عن السماء منها: التركيب الغريب في حديثه الذي يَصِفُ السماء فيه قوله: (ونَظم رَهوَات فُرَجِها).الرهوات جمع الـ(رهو). قال ابن فارس: ((الرَّاء وَالْهَاء وَالْحَرْف الْمُعْتَلّ أَصْلَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى دَعَةٍ وَخَفْضٍ وَسُكونٍ، وَالْآخَرُ عَلَى مَكَانٍ قَدْ يَنْخَفِضُ وَيَرْتَفِعُ....))([5])،وكذلك فسرها أغلب أصحاب اللغة بمعنى الارتفاع والانخفاض من الأرض، والمكان الخالي والمفتوح، والجمع رهاء([6])، وقال ابن منظور: ((رَها الشيء رَهْواً: سَكَن...يُقَالُ لِكُلِّ سَاكِنٍ لَا يَتَحَرَّك ساجٍ وراهٍ....، والرَّهْو أَيضاً: الْكَثِير الْحَرَكَةِ، ضدٌّ، وَقِيلَ: الرَّهْو الْحَرَكَة نَفسها...))([7]).

يلحظ أنّ هذه الكلمة من الأضداد كما ذكر أصحاب اللغة إضافة الى ذلك يتبين من كلام ابن منظور أنَّها تكون بين الحركة والسكون وقال: فهي من الأضداد. وكذلك ذكر اصحاب غريب الحديث من الاضداد؛ قال ابن قتيبة: ((الرهوة تكون الْمُرْتَفع من الأَرْض وَتَكون المنخفض مِنْهَا وَهِي حرف من حُرُوف الأضداد قَالَ الْأَصْمَعِي الرهاء أَمَاكِن مُرْتَفعَة وَاحِدهَا رهو...))([8]). وقال ابن الأثير أصل الرَّهْوَة: ((الموضع الَّذِي تَسِيل إِلَيْهِ مياهُ الْقَوْمِ...))([9]). ويقال: (( الرَّهْوَ هُوَ الْفُرْجَةُ الْوَاسِعَةُ، وَالْمَعْنَى ذَا رَهْوٍ أَيْ ذَا فُرْجَةٍ..))([10])  

قوله (نظم رهوات فرجها)، أي نَظَمَ الأَمرَ عَلَى المثَل. وكلُّ شَيْءٍ قَرَنَه بِآخَرَ أَوْ ضَمَّ بعضَه إِلَى بَعْضٍ، فَقَدْ نَظَمَه([11]) فضم –سبحانه وتعالى- المواضع المتفتحة منها بعضها الى بعض([12]). إذ لم تكن السماء منتظمة الاجزاء بداية خلقها، بل كانت بعضها أرفع وبعضها أخفض، فنظمها- سبحانه - فجعلها بسيطا واحدا، ونظما اقتضته القدرة الالهية، من غير تعليق، وألصق تلك الفروج والشقوق فجعلها جسما متصلا لا نتوءات فيه، بل جعل كل جزء منها ملتصقا بمثله([13]).والمراد من قول الإمام(عليه السلام) في بداية الأمر بيان قدرة الخالق –عز وجل- بأنَّه نَظَمَ الأَمرَ عَلَى المثَل)([14]).

الهوامش:
([1]) الفائق في غريب الحديث: 2/69، النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/285، لسان العرب: (رهو)14/342.
([2]) نهج البلاغة: تح هاشم الميلاني، نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 6/419، بحار الأنوار: 74/319، نفحات الولاية: 4/45،.غريب الحديث في بحار الأنوار: 2/151.
([3]) ينظر: آيات العلوم الكونية: د ماهر احمد الصّوفي: 1/120،89.
([4]) نهج البلاغة بشرح محمد عبده: 1/166.
([5]) مقاييس اللغة: (رهو)2/446.
([6]) ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: (رها)6/2366، والمحكم والمحيط الأعظم: (رهو)4/419، وأساس البلاغة: (رهو)1/401، ولسان العرب: (رها)14/344.
([7]) لسان العرب: (رها)14/340-341.
([8]) غريب الحديث: 1/352، وينظر: غريب الحديث: الحربي: 2/678، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 2/28، ونهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 6/419. وقال ابن الجوزي: (سمي نقع الْبِئْر: رهوا باسم الْمَكَان الَّذِي هُوَ فِيهِ لانخفاضه) غريب الحديث: 1/425-426.
([9]) النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/28.      
([10]) مفاتيح الغيب او التفسير الكبير: 27/659.
([11]) ينظر: لسان العرب: (نظم)12/578، والنظم: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَأْلِيفِ شَيْءٍ.(ينظر: مقاييس اللغة: (نظم)5/443، وأساس البلاغة: (ن ظ م)2/284.
([12]) ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/285، ومختار الصحاح: (ر هـ ا)1/130، وبحار الانوار: 74/319.
([13]) ينظر: نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 6/420، ونفحات الولاية: 4/45.
([14])  مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص187-189.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2956 Seconds