من الأمثال العربية في نهج البلاغة استخدامه للمثل الشعري: قوله: أمرتُكُم أمري بمنعرجِ اللِوى            فلم تستبينوا النصحَ إلا ضُحى الغدِ

مقالات وبحوث

من الأمثال العربية في نهج البلاغة استخدامه للمثل الشعري: قوله: أمرتُكُم أمري بمنعرجِ اللِوى فلم تستبينوا النصحَ إلا ضُحى الغدِ

9K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 18-07-2022

بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم – الجامعة العربية.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..

وبعد:

فقد تمثل الإمام علي عليه السلام بالشعر كما ثبته الرضي (رحمه الله) في كتاب نهج البلاغة وهذا يبين أهتمام الإمام عليه السلام بالشعر العربي ومعرفته التامة بنوعيته وأصالته لما له من قوة بيان، ومنه، قوله عليه السلام متمثلاً بقول الشاعر:

أمرتُكُم أمري بمنعرجِ اللِوى            فلم تستبينوا النصحَ إلا ضُحى الغدِ

(.... أما بعد فإن معصية الناصح الشفيق المجرب تورث الحسرة وتعقد الندم وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين وهذه الحكومة بأمري ونحلت لكم رأيي لو يطاع لقصير الرأي ولكنكم أبيتم إلا ما أردتم فكنت وأنتم كما قال أخو هوازن:[1]

 

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى               فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد

ألا وإن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذوا حكم القرآن وراء ظهورهم وأجابا ما أمات القرآن....[2] والإمام علي (عليه السلام) وقف موقفاً صلباً أمام قضية التحكيم فقد برهن لهم بأن قيادة أهل الشام قد خدعتكم فأنا أعرف منكم بهم قال (عليه السلام):-

عباد الله أمضوا على حقكم وصدقكم وقتال عدوكم،  فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط،  وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن،  أنا أعرف بهم منكم،  قد صحبتهم أطفالا،  وصحبتهم رجالاً،  وكانوا شر أطفال وشر رجال،  ويحكم! إنهم والله ما رفعوها،  لأنهم يرفعونها ولا يعلمون بما فيها،  وما رفعوها لكم إلا خدعة ووهناً ومكيدة[3].

وحقيقة الأمر أنهم لما وصفهم علي (عليه السلام) فقد كانوا له نداً كما كان آباؤهم نداً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،  والمتمعن في رواية الطبري[4] يدرك ذلك جيداً يقول: إن معاوية كتب إلى علي (عليه السلام) أنمحي هذا الإسم إن أردت أن يكون صلح،  والإسم (يعني أمير المؤمنين) قالوا: أبرحه برحة الله ! فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أودع أهل مكة كتب من (محمد رسول الله فأبوا ذلك حتى كتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله.....)[5].

وكتب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم.... هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان... صدقت يا رسول الله حينما قلت لعلي حينما امتنع أن يمحو كلمة (رسول الله) لك مثلها يا علي......

والبيت الشعري الذي تمثل به الإمام علي (عليه السلام) بيت دريد بن الصمة المخضرم الذي أدرك الإسلام،  واستخدم الإمام علي (عليه السلام) في تمثله بالشعر مناح عدة فهو مرّة يقول كما قال الأول:

أدمت لعمري شربك المحض صابحاً                وأكلك بالزبد المقشـــــرة البجرى[6]

ومرّة يقول كما قال أخو هوازن:

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى... باستخدام اسلوب الخطاب المباشر لا اسلوب الغيبية،  لأن أصل البيت الشعري هو:

أمرتهم أمري بمنعــرج اللـــــوى               فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

فلما عصوني كنت منهم وقد أرى              غوايتهـــــــــــــم وإني غــــير مهــــتد

والتمثيل كان بأعلى مستويات البيان من حيث تشابه الموقفين بين حادثة مقتل عبد الله أخو دريد بن الصمة وبين حادثة التحكيم التي أجبروا الإمام (عليه السلام) على قبولها وما كان بعدها من أحداث جسام)[7].

الهوامش:
[1]- أخو هوازن: دريد بن الصمة: سبقت الترجمة له.
[2]- البلاذري: أنساب الأشراف ص366؛  ابن قتيبة: الإمامة والسياسة، 1/119؛  الطبري: تاريخ الامم الملوك 3/285؛  أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني، 9/5.
[3]- المصدر نفسه، 3/217.
[4]- تاريخ الامم والملوك، 3/273.
[5]- المصدرنفسه،3/273.
[6]- نهج البلاغة، خطبة رقم (33).
[7]- لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 140-142.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3171 Seconds