بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير الأنام ابي القاسم محمد وعلى آله الهداة الاخيار.
أما بعد:
إن منهجيات الجرح والتعديل لأهل السنة والجماعة في التعامل مع رواية الفضائل قد افرزت جملة من النتائج منها:
أولاً: عزوف بعض الرواة عن التحديث في فضائل الإمام علي بسبب أساليب القدح والتسقيط الروائي والاجتماعي من قبيل الرمي بالكذب والوضع والتضعيف والترك وغيرها[1].
يمثل نماذج ممن تم تضعيفه من الرواة لروايته فضائل الإمام علي (عليه السلام)
ويوقفنا على هذه النتيجة هذا النص المهم لابن قتيبة (ت276هـ/889م) الذي يعطينا صورة ناصعة عن ذلك حتى عصره فيقول: ((وقد رأيت هؤلاء أيضاً حين رأوا غلوّ الرافضة في حق علي وتقديمه... ورأوا شتمهم خيار السلف وبغضهم وتبرأهم منهم قابلوا ذلك أيضاً بالغلوّ في تأخير علي [عليه السلام] وبخسه حقه... واتهموا مَنْ ذكره بغير خير وتحامى كثير من المحدثين أن يحدثوا بفضائله [عليه السلام] ، أو يظهروا له ما يجب له، وكل تلك الأحاديث لها مخارج صحاح... وأهملوا مَنْ ذكره أو روى حديثاً من فضائله، حتى تحامى كثير من المحدثين أن يتحدثوا بها))[2].
ولعل ذلك يقف بنا على نتيجة أخرى تتفرع عن هذه وهي: أن بعض المحدثين كان لا يحدث بتلك الفضائل إلاّ سراً، ولا يودعها كتبه المدونة، فصارت أسيرة الرواية الشفوية حيناً، والتكذيب حيناً آخر، وللتدليل على ذلك نعرض ما ذكره الذهبي عن عبد الرزاق بن همام الحميري الصنعاني (ت211هـ/826م) أحد الأعلام الثقات كما وصفه[3]، وكيف أنه كان ((يعرف الأمور، فما جسر يحدث بهذا إلاّ سراً...))[4] وما تلك الأمور إلاّ فضائل علي التي كان يُحدّث بها بعض من يأتيه للأخذ عنه خلوةً من حفظه[5] فرمي عبد الرزاق بسببها بالتشيع، ولم يوافقه أحد عليها[6]، وكان من مظاهر عدم الموافقة–فضلاً عن تضعيفها أو إنكارها–تأكيد مرجعية كتابه دون الرواية الشفوية عنه، ولذلك قال البخاري: ((ما حَدّث من كتابه فهو أصح))[7].
وأن الاقتصار على الرواية الشفوية لبعض الفضائل–في عصر التدوين–ربما جعلها تحت طائل الضياع بموت هؤلاء الرواة[8].
الهوامش:
[1] ينظر: الجدول رقم (4)، وينظر قائمة واسعة بأسماء مَنْ تم تضعيفهم لروايتهم حديث الطير، أو حديث الباب، أو حديث رد الشمس، كما أحصاهم الغماري المالكي، فتح الملك العلي، ص258–261.
[2] الاختلاف في اللفظ، ص41–42.
[3] ميزان الاعتدال، 4/342.
[4] المصدر نفسه، 1/213.
[5] وكان أحمد بن الأزهر النيسابوري الحافظ ممن يحدثهم عبد الرزاق (خلوة) ويخصه بحديث الفضائل دون أصحابه.
ينظر: المصدر نفسه، 4/345؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 7/198.
[6] الذهبي، سير أعلام، 7/193–197.
[7] المصدر نفسه، 7/195.
[8] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 138-142.