بقلم: الدكتور سحر ناجي المشهدي
الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..
وبعد:
تكرر هذا اللفظ في النَّهْج ست مرات، ويدلُّ على هبوط قيمة الشّيء وضِدّه الغَلاء، وهو على نوعين:
1) الرّخص الحقيقي (المادي): ويعني هبوط قيمة الشَّيء، وضِدُّه الغَلاء، جاء الفعل المضارع مرة واحدة وذلك في خطبة له في الإستسقاء: «وَاسْقِنَا سُقْيَا نَافِعَةً مُرْوِيَةً مُعْشِبَةً، تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ، وَتُحْيِي بِهَا مَا قَدْ مَاتَ، نَافِعَةَ الْحَيَا، كَثِيرَةَ الْـمُجْتَنَى، تُرْوِي بِهَا الْقِيعَانَ، وَتُسِيلُ الْبُطْنَانَ، وَتَسْتَوْرِقُ الأشجار، وَتُرْخِصُ الاْسْعَارَ، إِنَّكَ عَلى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ» [1].
أتى الإمام (عليه السلام) بالصيغ الفعلية المضارعة (تنبت، تحيي، تروي، تسيل)، أمّا (تستورق، تُرخِص) على زنة (تستفعل وتُفعِل) تعني تغيير الشيء من حالة إلى أخرى؛ والصيغ الفعلية تدلّ على الحدوث والتجدد، وترخيص الأسعار؛ لكثرة الحبوب وسعتها من كثرة المطر.
2) الرّخص المجازي: وهو ترخيص الله للعباد فيما يخففه عليهم، أو التسهيل[2]، ومنه ورود الفعل الماضي على زنة (فَعّل) ويدلُّ على التكثير، وذلك في خطبة له للعبرة بالماضين: « فَلَوْ رَخَّصَ اللهُ فِي الْكِبْرِ لاِحَد مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنبِيَائِهِ [ وَأَولِيائِهِ]، وَلكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ التَّكَابُرَ»[3].
سـُبـِـقَ فعل الشرط بـ(لو) الشرطية، وجاء جواب الشرط ايضا متصدرا بالفعل نفسه وسُبِقَ بـ(اللام الواقعة في جواب الشرط، ووجه الملازمة أنّ الترخيص فيه إنّما يكون مع إشتماله على المصلحة وخلوه عن المفسدة ولو كان كذلك لرَخَصَّ فيه الأنبياء والأولياء ومن يخطرهم من فوائده ومنافعه ؛ لمكانتهم لديه وقرّبهم إليه والإلزام[4].
فالرٌخْصُ: الناعم من كل شيء. ومن المرأة بشرتها ورقتها، ورخاصة أناملها: لينها،.... وثوب رخيص: ناعم. رخص في الأشياء: بيع رخيص[5].
قال احمد بن فارس: «الراء والخاء والصاد أصل يدل على لين وخلاف شدة. من ذلك اللّحم الرًخص، هو الناعم. ومن ذلك الرٌخْص: خلاف الغَلاء»[6].
و«الرُّخُص بالضّم: ضِدّ الغَلاء. واسترخصته: وجدته رخيصا، وأرخصته جعلته رَخيصا، وأرتخصته إشتريته رَخيصا[7])[8].
الهوامش:
[1] نهج البلاغة: خ 143، 143.
[2] ظ: أساس البلاغة: 1/ 345، وظ: القاموس المحيط: 2 / 412.
[3] نهج البلاغة: خ 192، 211.
[4] ظ: منهاج البراعة: 10 / 266.
[5] ظ: العين (مادة رخص): 4 / 184 ـ 185.
[6] مقاييس اللغة: 2 / 500.
[7] ظ: المصباح المنير: 223، وظ: المعجم الاقتصادي الإسلامي: 191.
[8]لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 93 – 95.