بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
فمما ورد عنه عليه السلام في الحقول الدالة على أخلاق الإنسان، مفردة: (المُعتَرُّ)، وقد ورد في حديث الإمام علي (عليه السلام) قوله: ((فإنَّ فِيهِمْ قَانِعًا ومُعْتَرّاً))[1]. المفردة الغريبة التي وردت في قوله(مُعتَراًّ)، كما ورد في اللغة (المُعْتَرّ): ((المُعْتَرض له من غير طلب))[2]، أي الَّذِي يَطْلُب مَا عِنْدَكَ، سأَلَك أَو سَكَتَ عَنِ السُّؤَالِ، وَأصل اللفظة من: عرَّهُ يعُرُّه عرّاً واعْتَرَّه إِذا أَتاه فَطَلَب مَعْرُوفَه، ويقال المُعْتَرّ: الْفَقِير، ويقال المتعَرِّض لِلمَعْرُوفِ من غَيْر أَن يَسأَل[3].
وذكر أصحاب غريب الحديث بأنَّ(المعترّ): هو الَّذِي يتَعَرَّض للسُّؤال وَلَا يسْأَل[4] و((عَنِ الْفَرَّاءِ الْمُعْتَرُّ يَتَعَرَّضُ لِلْعَطِيَّةِ وَلَا يَسْأَلُ)) [5]، وقال الخطابي: ((والمُعتَّر الَّذي يَغْشَاكَ ويتعرض لك ولا يفصح بحاجته))[6].
فقول الإمام (عليه السلام) (المعترّ): كما ورد في القرآن هو الَّذِي يعتر بك، أَي يلم بك لتعطيه، وَلَا يسْأَل. [7] ومما يلحظ أنَّ (مُعْترٌّ) على زنة(مُفْعَلٌ) للدلالة على تفخيم في الأمر لشدة الحاجة مع عدم السؤال. فالمعترّون: هم الفقراء المتعففون. وهنا نجد تناصًّا معنويًّا بين كلام الإمام علي (عليه السلام) وكلام الله -جلَّ جلاله -في قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ الله لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا..}[8]. وكذلك نجد تناصًّا لفظياً بين كلام الإمام (عليه السلام) وكلام الله -جلَّ جلاله - في قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[9].
والمراد من الحديث انّ المعتر: الذي يتعرض للسؤال ولايسأل، وهذه قيمة أخلاقية حسنة، وأراد (عليه السلام) أن يوصل فكرة الى الناس بأن هؤلاء الناس من هذه الطبقة يجب الاهتمام بهم؛ لأنهم مستحقون ومتعففون.
- القنع
قال الإمام (عليه السلام)– وقوله كما ذكرناه سابقا-: ((فإنَّ فِيهِمْ قَانِعًا ومُعْتَرّاً))[10]. اللفظة الغريبة التي وردت في قوله (قَانِعًا). وأصل (القانع) من: (( قَنِعَ يَقْنعُ قَناعةً أي: رَضيَ بالقَسمِ فهو قَنِعٌ...))[11]، وقال ابن منظور: ((القُنُوع: السؤال والتذلُّل للمسأَلة. وقَنَعَ، بِالْفَتْحِ، يَقْنَعُ قُنُوعاً: ذَلَّ لِلسُّؤَالِ...، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُجِيزُ القُنُوعَ بِمَعْنَى القَناعةِ...، وَقِيلَ: القانِع السائل، وَقِيلَ: المُتَعَفِّفُ، وكلٌّ يَصْلُحُ))[12].
وكذلك في كتب غريب الحديث ورد معنى (قانعا) بأنَّه الَّذِي يسْأَل، فقانعا معناه سَائِلًا[13]، وقال من هَذَا: ((قد قنع يقنع قنوعا وَأما القانع الراضي بِمَا أعطَاهُ الله-عز وَجل - فَلَيْسَ من ذَلِك يُقَال: قنعت أقنع قناعة فَهَذَا بِكَسْر النُّون وَذَلِكَ بِفَتْحِهَا وَذَلِكَ من القنوع وَهَذَا من القناعة))[14]، وَفِي التَّنْزِيلِ العزيز: {وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}[15].
فقول الإمام (عليه السلام) في الحديث (قانعا ) بمعنى السائل، والراضي بِمَا أعطَاهُ الله-عز وَجل- والذي يقنع إليك ويسألك، وجاءت اللفظة بدلالتها المعجمية إنما اختارها الإمام لبيان حالهم)[16].
الهوامش:
[1] النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/205، وفي نص آخر قال الإمام: (الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين...، فإن في هذه الطبقة قانعا ومعترا) نهج البلاغة: محمد عبده: 3/111، وينظر: بحار الانوار: 74/257، وغريب الحديث في بحار الانوار: 3/37.
[2] العين، (عرر)1/170.
[3] ينظر: لسان العرب، (عرر) 4/557، تاج العروس، (عرر)13/8.
[4] ينظر: غريب الحديث: ابن سلام: 2/156، وغريب الحديث: الحربي: 1/207، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 3/205.
[5] غريب الحديث: الحربي: 1/207.
[6] غريب الحديث: 2/51.
[7] ينظر: غريب الحديث: ابن قتيبة 1/250، وغريب القرآن: السجستاني(ت330هـ)، تح محمداديب عبد الواحد: 445، والتبيان في تفسير غريب القرآن: تح: د. ضاحي عبد الباقي محمد: 1/238،.
[8] سورة البقرة: 273.
[9] سورة الحج: 36.
[10] النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/205، وينظر: بحار الانوار: 74/257، و غريب الحديث في بحار الانوار: 3/37.
[11] العين: (قنع)1/170.
[12] لسان العرب: (قنع)8/297، وينظر: غريب القرآن ابن قتيبة: 1/250.
[13] ينظر: غريب الحديث: ابن سلام: 2/156.
[14] غريب الحديث: ابن سلام: 2 /156، لسان العرب: (قنع)8/298، وينظر: غريب القرآن: ابن قتيبة: 1/250، وغريب الحديث: الخطابي: 2/51، والتبيان في تفسير غريب القرآن: 1/238، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 4/114، ونهج البلاغة بشرح محمد عبده: 3/111.، وغريب الحديث في بحار الأنوار: 3/285.
[15] سورة الحج: 36.
[16] مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/ دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 94-97.