مناقشة أقوال الجصاص (ت 370هـ) في آية {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} وبيان معارضتها للقرآن والسُنّة. الحلقة الثانية: إنّ تأويل الإرث في الآية بـ (النبوة) يعارضه القرآن والسُنَّة.

مقالات وبحوث

مناقشة أقوال الجصاص (ت 370هـ) في آية {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} وبيان معارضتها للقرآن والسُنّة. الحلقة الثانية: إنّ تأويل الإرث في الآية بـ (النبوة) يعارضه القرآن والسُنَّة.

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 11-12-2022

بقلم: السيد نبيل الحسني

قال الجصاص: (وروى قتادة عن الحسن في قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ}، قال: نبوته وعلمه).

أقول:
وهذا التأويل لا يختلف عن سابقه في معارضته للقرآن الكريم، وهو على النحو الآتي:

1- إنَّ الأصل في النبوة الجعل من الله تعالى وليس بالاختيار أو الانتقال في الملكية كما هو الحال في الإرث: أي زوال الملكية وانتقالها الى الوريث، وهي لا تسلب بعد موت النبي كما هو الحال في المال.
قال تعالى:
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [سورة العنكبوت/27].
وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [سورة الحديد/26].
وقال جلَّ شأنه في عيسى ابن مريم (عليهما السلام): {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [سورة مريم/30].
فالآيات المباركة قطعية في حجيتها وبيانها في تخصيص النبوة بالجعل الإلهي وليس بالإرث والانتقال من شخص الى آخر بالوراثة.

2- إنّ الجصاص قد ناقض نفسه في هذا التأويل، وذلك أنه روى عن ابن عباس: أن الأنبياء (عليهم السلام) يجري فيما بينهم التوارث بالأموال، وأن نبي الله يحيى (عليه السلام) إنما قصد في دعائه أن يهب الله له ولداً يرث منه المال؛ أما ما يخص طلبه الثاني في الإرث، أي: {وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} فهي النبوة، فجوّز ابن عباس تخصيص الإرث من آل يعقوب بالنبوة.
بمعنى آخر: إن الآية المباركة ذكرت الإرث مرتين، الأولى: {يَرِثُنِي} وهو المال، والثانية {وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ}: النبوة؛ والسؤال المطروح: هل الأصل في الشريعة في الفرائض بقاء الملكية أم زوالها، وهل هذا المدار في الحكم متحقق في النبوة أم في الأموال؟!
وعليه: فإن الأصل في الحكم هو: التوارث في المال بين الأنبياء (عليهم السلام)، حالهم في ذلك حال جميع من آمن بالله واليوم الآخر؛ إذ لا تخصيص في القرآن يخرج الأنبياء من التوارث في الأموال.

من هنا:
فإن القول بوراثة الأنبياء مخصوص بالنبوة لا أساس شرعي له في الشرائع والأديان السماوية، فضلاً عن معارضته للقرآن الكريم[1].

الهوامش:
[1] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : معرضة حديث لا نورث للقرآن والسنة واللغة ، السيد نبيل الحسني : ص119– 120، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة / العتبة الحسينية المقدسة ، ط1 لعام 2022م

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2601 Seconds