أغراض الدعاء في نهج البلاغة: 1- الاستسقاء

مقالات وبحوث

أغراض الدعاء في نهج البلاغة: 1- الاستسقاء

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 13-12-2022

بقلم: الدكتور خليل خلف بشير

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

وبعد:
   لم يكن الدعاء وسيلة لإظهار التعبد والتذلل والخضوع لله سبحانه وتعالى فحسب بل أنه يحمل معاني عديدة منها بث الشكوى لله تعالى، وإظهار عجز المخلوق وضعفه أمام قدرة الخالق، وقد استخدم أمير المؤمنين (عليه السلام) أسلوب الدعاء لأغراض كثيرة منها[1]:

1- الاستسقاء: أورد أمير المؤمنين (عليه السلام) خطبا كثيرة طلباً لنزول المطر، وتعد هذه الخطب آية من آيات البلاغة، وموئلاً من موائل العلم والمعرفة فلو أخذنا الخطبة المائة وخمسة عشرة نجده يمهد لها بالوضع المأساوي الذي أصاب الناس في ذلك الزمان فقد كشف النقاب عن وضع الجبال والأراضي والمراتع والدواب من أثر الجفاف الشديد بقوله ((اللهمَّ قَدِ انْصَاحَتْ جِبَالُنَا وَاغْبَرَّتْ أَرْضُنَا وَهَامَتْ دَوَابُّنَا وَتَحَيَّرَتْ فِي مَرَابِضِهَا وَ عَجَّتْ عَجِيجَ الثَّكَالَى عَلَى أَوْلَادِهَا وَمَلَّتِ التَّرَدُّدَ فِي مَرَاتِعِهَا وَ الْحَنِينَ إِلَى مَوَارِدِهَا)) [2]رافعاً يديه بالدعاء مبتهلاً إلى الله بأن يرحم أنين الشاة، وحنين الجمل من شدة عطشهما وصراخهما في أماكنهما بقوله ((اللهمَّ فَارْحَمْ أَنِينَ الْآنَّةِ وَحَنِينَ الْحَانَّةِ اللهمَّ فَارْحَمْ حَيْرَتَهَا فِي مَذَاهِبِهَا وَ أَنِينَهَا فِي مَوَالِجِهَا)) مردفاً ذلك بحال المسلمين الذي شبهه بالحدابير التي واحدها الحدبور، وهو الجمل الذي بان عظام سنامه، وقد حزّ لحمه بصورة تامة أثر شدة الضعف في قوله ((اللهمَّ خَرَجْنَا إِلَيْكَ حِينَ اعْتَكَرَتْ عَلَيْنَا حَدَابِيرُ السِّنِينَ وَأَخْلَفَتْنَا مَخَايِلُ الْجُودِ)) مبتهلاً إلى الله في أنه الأمل والرجاء لكل بأس، وحلال لكل مشكلة لاسيما أنّ اليأس قد سيطر على الناس، ومنعت السماء بركاتها، والغيوم مياهها، وقد أشرفت الحيوانات على الهلاك سائلاً الباري عزّ وجل أن لا يأخذه بسيئات الأعمال وبوائق الذنوب في قوله ((فَكُنْتَ الرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِسِ وَالْبَلَاغَ لِلْمُلْتَمِسِ نَدْعُوكَ حِينَ قَنَطَ الْأَنَامُ وَمُنِعَ الْغَمَامُ وَ هَلَكَ السَّوَامُ أَلَّا تُؤَاخِذَنَا بِأَعْمَالِنَا وَلَا تَأْخُذَنَا بِذُنُوبِنَا)) طارحاً طلبته الأصلية، وهي نزول الرحمة الإلهية، والبركة السماوية بنزول المطر بقوله ((وَانْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ بِالسَّحَابِ الْمُنْبَعِقِ وَالرَّبِيعِ الْمُغْدِقِ وَ النَّبَاتِ الْمُونِقِ سَحّاً وَابِلًا تُحْيِي بِهِ مَا قَدْ مَاتَ وَ تَرُدُّ بِهِ مَا قَدْ فَاتَ)) ثم أتبعه بوصف المطر النازل بجملة أوصاف بلغت عشرين وصفاً، وهي أوصاف تجعل الإنسان يشعر بخضوع وتواضع أمام عظمة الخالق بقوله ((اللهمَّ سُقْيَا مِنْكَ مُحْيِيَةً مُرْوِيَةً تَامَّةً عَامَّةً طَيِّبَةً مُبَارَكَةً هَنِيئَةً مَرِيعَةً زَاكِياً نَبْتُهَا ثَامِراً فَرْعُهَا نَاضِراً وَرَقُهَا تُنْعِشُ بِهَا الضَّعِيفَ مِنْ عِبَادِكَ وَ تُحْيِي بِهَا الْمَيِّتَ مِنْ بِلَادِكَ اللهمَّ سُقْيَا مِنْكَ تُعْشِبُ بِهَا نِجَادُنَا وَتَجْرِي بِهَا وِهَادُنَا وَيُخْصِبُ بِهَا جَنَابُنَا وَتُقْبِلُ بِهَا ثِمَارُنَا وَتَعِيشُ بِهَا مَوَاشِينَا وَتَنْدَى بِهَا أَقَاصِينَا وَتَسْتَعِينُ بِهَا ضَوَاحِينَا مِنْ بَرَكَاتِكَ الْوَاسِعَةِ)) وأضاف في معرض تواصله بطلب الماء ونزول المطر الذي يفيض بالخير والبركة بقوله ((وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا سَمَاءً مُخْضِلَةً مِدْرَاراً هَاطِلَةً يُدَافِعُ الْوَدْقُ مِنْهَا الْوَدْقَ وَيَحْفِزُ الْقَطْرُ مِنْهَا الْقَطْرَ))، وأردف ذلك بذكر تسعة أوصاف للمطر فضلاً العشرين بقوله ((غَيْرَ خُلَّبٍ بَرْقُهَا وَلَا جَهَامٍ عَارِضُهَا وَ لَا قَزَعٍ رَبَابُهَا وَلَا شَفَّانٍ ذِهَابُهَا حَتَّى يُخْصِبَ لِإِمْرَاعِهَا الْمُجْدِبُونَ وَيَحْيَا بِبَرَكَتِهَا الْمُسْنِتُونَ فَإِنَّكَ تُنْزِلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَتَنْشُرُ رَحْمَتَكَ))،وإنه من دواعي العجب والدهشة أن يستسقي الإمام بذكر 29وصفاً للمطر في حين يذكر غيره صفة أو صفتين لنزول المطر بيد أن الإمام استفرغ أقصى فصاحته وبلاغته وتوسّل إلى الله تعالى مسهباً في أوصاف المطر ليعرّف الناس ألطاف الله وأفضاله ونعمه ورحماته، ويفهمهم أن مسار النعمة مليء بكثير من الموانع بحيث لا يسعهم بلوغ الكمال المنشود ما لم تشملهم رعاية الله ورحمته [3]   مما حدا ببعض الباحثين أن يذهب إلى أنّ هذا الدعاء -  دعاء الاستسقاء -  قد اشتمل على علوم الجغرافية والتضاريس والأنواء الجوية والاقتصاد[4] )[5].

الهوامش:
[1] - ينظر : المدخل إلى علوم نهج البلاغة 387-389.
[2] -  نهج البلاغة، الخطبة 115،ص 196-198،ومثلها الخطبة،143،ص 229-230والحكمة 472،ص637.
[3] - ينظر: نفحات الولاية - شرح نهج البلاغة / ناصر مكارم الشيرازي5/ 79-88.
[4] -  ينظر: علوم نهج البلاغة 387.
[5]لمزيد من الاطلاع ينظر: من النتاج الفكري لأمير المؤمنين عليه السلام تفسيره المغيب للقرآن الكريم وادعيته العلوية للدكتور خليل خلف بشير، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 127-129.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.4212 Seconds