بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد:
لاشك أن لكل شيء في الحياة ما يزينه ويحسنه، وآخر يقبحه ويسئ إليه ويصادف الإنسان في حياته تقلبات متعددة تطرأ على شئون حياته فتغيرها ألواناً وألواناً ومن ذلك الفقر والغنى، فإذا كان الفقر والعدم والحاجة وعدم التمكن من تحقيق المراد لقلة ذات اليد وإعدام المال أو قلته جداً بما يعجز معه عن تسديد الحاجات وتلبية المتطلبات فحتماً يكون التفكير بالحصول على المال ملحاً جداً ويتخذ عدة مناح ويسيطر على تفكير الإنسان بما يلهيه عن التفكير في الشئون الحياتية الأخرى لأن المال وسيلة تخاطب وتعامل وانفتاح وتوصل و...و... في الحياة ولكن على المؤمن أن لا ينساق بعيداً وراء ذلك بما يفقده أسسه الإيمانية التي يرتكز عليها إذ ليس المال كل شيء في الحياة أو عند الإنسان بل لا بد من الاقتناع التام بأنه شيء من الأشياء له أهميته وله مفاسده، ومن ذلك أن يلجأ الفقير إلى الوسائل غير السليمة للحصول على المال كالجشع والطمع والسرقة والغش و...و... لكن إذا سيطر على نفسه وعف عن مال غيره مهما كان المال ومهما كان الغير، زينه ذلك وأضفى عليه رونق العفة والأمانة؛ لأن الكف والامتناع عن مالا يحل زينة الفقير إذ قد سيطرت عليه مظاهر البؤس والفقر فلم يعد هناك ما يزينه لا مال، لا جاه، لا منصب، لا سلطة، ... لكن جاء العفاف ليزينه وليكون ناطقاً عنه بأنه يتمتع بالشيء المهم جداً في الحياة العملية للإنسان بما يحمي المجتمع من حواليه ويضيف إلى قائمة حسناته حسنة أخرى تكون نقطة تحول في غاية الأهمية. إذ الكثير ممن يقتني ويجمع المال ولكنه من دون عفاف فلا يترك أي اثر له أو أي شيء يثير الانتباه إليه.
فلا بد للإنسان الفقير ان لا يستولي عليه الجزع من وضعه الاقتصادي المادي المتردي بل عليه أن يعرف جيداً أنه يمتلك ما هو أهم من المال عند الأغنياء وهو حالة السيطرة على النفس فيمتنع عن الوصول إلى مالا يحل له مما يعني انه مراقب لله تعالى ومؤمن حق الإيمان لا مجرد رفع الشعار من دون ما تطبيق.
وأيضاً فالغني إنما يزينه ويضفي عليه ما يزيد من احترامه وإكرامه وزيادة النعم عليه – إنما هو – الشكر ومعرفة النعمة وتقديرها وعدم التنكر لها وعدم استعمالها فيما لا يرضى الله تعالى وعدم الاستعانة بها على المعاصي، بما يحقق للشكر مظاهر عديدة غير مقتصرة على اللسان بل يتعمق في داخل الإنسان فيظهر من خلال تصرفاته وأفعاله مما يدلل على الشكر وعرفان النعمة والثناء على المنعم تعالى.
فلا بد للغني أن يعرف أن المال وديعة عنده، لا دوام له والشواهد على ذلك كثيرة بما يدعم الفكرة ويقنع بها فعليه أن يغتنم ودوده ليستعين به على طاعة الله ومراضيه بما يرفه به على عياله أو يعين من حواليه ومن يعرف حاجتهم بما أمكنه من ذلك.
وعليه أن يحسن التلقي لأنه لو أساء ذلك لذهبت النعمة عنه ولا تعود إليه.
وعليه أن لا يغتر بتوارد النعم عليه فليس ذلك مؤشراً ايجابياً دائماً بل قد يكون للاستدراج والاختبار.
عليه أن يشكر الله ويثنى عليه بما يليق به مما يقدر عليه قولاً وفعلاً، ولا يكون تقليدياً في إظهار الشكر من خلال ترديد عبارات الشكر)[1].
الهوامش:
[1] لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ص231-234.