بقلم: الدكتور علي الفتال
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق اجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الاخيار الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم والناصبين لهم العداء الى قيام يوم الدين.
أما بعد:
ولما اجتمع جمهور الناس لأبي بكر أكرمت قريش معن بن عدي وعويم بن ساعدة وكان لهما فضل قديم في الإسلام؛ فاجتمعت الأنصار لهما في مجلس ودعوهما، فلما أَحضر أقبلت الأنصار عليهما فعيَّروهما بانطلاقهما إلى المهاجرين، وأكبروا فعلهما في ذلك، فتكلم معن وتكلم عويم فأشادا بقريش فوثبت عليهما الأنصار، فاغلظوا لهما، وفحشوا عليهما، فقال معن في ذلك (6/27-28):
وقالت لي الأنصار أنك لم تصب فقلت أما لي في الكلام نصيب؟
فقالوا: بلى قل ما بدا لك راشداً فقلت: ومثلي بالجواب طبيب
تركتكم والله لما رأيتكم تيوساً لها بالحسرتين نبيب
تنادون بالأمر الذي النجم دونه الا كل شيء ما سواه قريب
فقلت لكم قول الشفيق عليكم وللقلب من قول البلاء وصيب
دعوا الركض وأثنوا من أعنة بغيكم ودبوا فسير القاصدين دبيب
وخلوا قريشاً والأمور وبايعوا لمن بايعوه ترشدوا وتصيبوا
أراكم أخذتم حقكم بأكفكم وما الناس إلا مخطئ ومصيب
ولما أبيتم زُلْتُ عنكم إليهم وكنت كأني يوم ذاك غريب
فان كان هذا الأمر ذنبي إليكم فلي فيكم بعد الذنوب ذنوب
فلا تبعثوا مني الكلام فأنني إذا شئت يوماً شاعر وخطيب
واني لحلوٌ تعتريني مرارة وملح أجاج تارة وشَروب
لكل أمريء عندي الذي هو أهله أفانين شتى والرجال ضروب
وقال عويم بن ساعدة في ذلك: -
وقالت لي الأنصار أضعاف قولهم لمعنٍ، وذاك القول جهل من الجهل
فقلت: دعوني لا أبا لأبيكم فأني أخوكم صاحب الخطر الفصل
أنا صاحب القول الذي تعرفونه اقطعِّ أنفاس الرجال على مهل
فان تسكتواأسكت وفي الصمت راحة وأن تنطقوا أصمت مقالتكم تبلى
وما لمت نفسي في الخلاف عليكم وان كنتم مستجمعين على عذلي
أريد بذاك الله لاشيء غيره وما عند بر الناس من درج الفضل
وما لي رحمٌ في قريش قريبة ولا دارها داري ولا اصلها أصلي
ولكنهم قوم علينا أئمة أدين لهم ما أنفذت قدمي نعلي
وكانوا أحق الناس أن تقنعوا به ويحتملوا من جاء في قوله مثلي
لأني أخف الناس فيما يسركم وفيما بسوءُ لا أُمِرُّ ولا أحلي
وقال فروة بن عمرو - وكان ممن تخلف عن بيعة أبي بكر، وكان ممن جاهد مع رسول الله، وكان سيداً وهو من أصحاب علي عليه السلام، وممن شهد معه يوم الجمل، وفي قوله هذا ذكر معناً وعويماً وعاتبهما على قولهما: -
"خلفنا وراءنا قوماً قد حلت دماءهم بفتنتهم " (6/29): -
قل لمعنٍ إذا جئته وذاك الذي شيخه ساعده
بان المقال الذي قلتما خفيف علينا سوى واحدة
مقالكم: أن من خلفنا مراض قلوبهم فاسدة
حلال الدماء على فتنة فيا بئسما ربّت الوالدة
فلا تأخذا قدر أثمانها ولم تستفيدا بها فائدة
لقد كذّب الله ما قلتما وقد يكذب الرائد الواعدة [1]
الهوامش:
[1] لمزيد من الاطلاع ينظر: أضواء على نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد في استشهاداته الشعرية، د. علي الفتال، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ج2، 47-49.