من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله: «وَخَتَمَ بِهِ نـُبُوَّتَهُ»

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله: «وَخَتَمَ بِهِ نـُبُوَّتَهُ»

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 17-04-2023

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

((الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:

قوله عليه السلام: «وَخَتَمَ بِهِ نـُبُوَّتَهُ»
خَتَمَ
تدلُّ مادَّة «ختم» في اللُّغة على آخر الشَّيء، وعاقبته، وأَقصاه، والاستيثاق، والتَّغطية، والمنع. جاء في (العين): «الخاتَم: ما يوضع على الطِّينة، اسم مثل العالَم، والخِتام: الطِّين الذي يُخْتَمَ به على كتابٍ. ويُقال: هو الخَتْم يعني: الطِّين الذي يُخْتَمُ به. وخِتامُ الوادي: أَقصاه. ويقرأُ: (خاتمِهُ مِسْكٌ)، أَيْ: خِتامه، يعني عاقبته ريحُ المسك... وخاتِمة السُّورة: آخرها. وخاتِمُ العمل، وكلّ شيء: آخرهُ»[1].

وجاء في (تهذيب اللُّغة): «خَتَمَ يَخْتِمُ... الْخِتَامُ أَنْ تُثَارَ الأَرضُ بالبَذْر حَتَّى يَصيرَ الْبَذْرُ تحتهَا، ثمَّ يَسْقُونها... يَقُولُونَ: خَتَمُوا عَلَيْهِ... قَالَ الفرَّاء: والْخَاتِمُ والْخِتَامُ: متقاربان فِي الْمَعْنى، إِلاَّ أَنَّ الْخَاتِمَ: الاسْمُ، والخِتَامَ: المَصْدَرُ... وخَتَمَ فلانٌ القُرْآنَ: إِذا قَرأَهُ إلى آخرِهِ... أَصلُ الخَتْم: التَّغطيةُ، وختْمُ البَذْر: تغطيتُه»[2].

وقال ابن فارس: «الخاء والتَّاء والميم أَصلٌ واحد، وهو بُلوغ آخِرِ الشَّيء، يُقال: خَتَمْتُ العَمَل، وخَتم القارئ السُّورة. فأَمَّا الخَتْم، وهو الطَّبع على الشَّيء، فذلك من الباب أَيضاً؛ لأَنَّ الطَّبْع على الشَّيءِ لا يكون إلاَّ بعد بلوغ آخِرِه... والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم خاتِمُ الأَنبياء؛ لأَنــَّه آخِرُهم. وخِتام كلِّ مشروبٍ: آخِرُه. قال الله تعالى: (خِتَامُهُ مِسْكٌ) [المطففين 26]، أَيْ: أَنَّ آخرَ ما يجِدونه منه عند شُربهم إيَّاه رائِحَته المسك»[3].

وخَتَمْتُ القرآنَ: بلغتُ آخرَه. واختتمتُ الشَّيء: نقيض افتتحتُه. وخاتمة الشَّيء: آخره. ومحمَّد ــ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ــ خاتِمُ الأَنبياء ــ عليهم السلام ــ[4].

وقال الرَّاغب: «الخَتْمُ والطَّبع يقال على وجهين: مصدر خَتَمْتُ وطبعتُ، وهو تأْثير الشَّيء كنقش الخاتَم والطَّابَع. والثــَّاني: الأَثر الحاصل عن النَّقش، ويُتَجَوَّز بذلك تارةً في الاستيثاق من الشَّيء، والمنع منه اعتباراً بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأَبواب... وتارةً في تحصيل أَثرٍ عن شيء اعتباراً بالنَّقش الحاصل، وتارةً يُعتبَرُ منه بلوغُ الآخِرِ، ومنه قيل: ختمتُ القرآن، أَيْ: انتهيتُ إلى آخره... (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأَحزاب: 40]؛ لأَنــَّه خَتَمَ النُّبوَّة، أَيْ: تمَّمها بمجيئه. وقوله ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ: (خِتامُهُ مِسْكٌ) [المطففين: 26]، قيل: ما يختم به، أَيْ: يُطْبَعُ...»[5].
وقال ابن سيده: «معنى خَتم، وطبع فِي اللُّغة وَاحِد، وَهُوَ التَّغطية على الشَّيْء والاستيثاق من أَلا يدْخلهُ شَيْء... وخَتم الشَّيْء يَخْتمه خَتْماً: بلغ آخِرَه. وخاتِمُ كُلِّ شَيْء، وخاتِمته: عاقبتُه وآخِره... وخِتَام القَوم، وخاتِمُهم: آخِرهم... وخاتَم الفَرس الأُنْثَى: الحَلْقة الدُّنيا من ظَبْيتيها»[6].

وقد جاء هذا الفعل «ختم» مرَّةً واحدةً في الخطبة مطابقاً دلالته اللُّغوية، أَورده أَميرُ المؤمنين (عليه السلام) لبيان بعثة النَّبيِّ الأَعظم ــ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ــ، وهو ثاني الأَفعال الَّتي ذكرها في ذلك، إذ قال (عليه السلام) : «وَخَتَمَ بِهِ نـُبُوَّتَهُ»، ومراده (عليه السلام) : أَنــَّه ــ تبارك وتعالى ــ تمَّمَ بنبوَّة النَّبيِّ الأَكرم محمَّد ــ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ــ النُّبوَّة، والنَّبيُّ الخاتم ــ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ــ هو المُغطِّي على مَنْ كان قبله من الأَنبياء ــ عليهم السلام ــ، فخاتم الأَنبياء: جاء آخرَهم، فكَأَنــَّه ــ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ــ غطَّى عليهم ــ عليهم السلام ــ. فبنبوَّته ــ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ــ خُتمت شرائع مَنْ تقدَّم من الأَنبياء؛ لتكون شريعة البشر، وقانونهم إلى يوم الدين[7].

وقوله (عليه السلام): «وَخَتَمَ بِهِ نـُبُوَّتَهُ» فيه تضمين لقول الله ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ)[8]، وإشارة إليه.
و«ختم» فعل ماضٍ مبنيٌّ على الفتح، و«به» الباء حرف جرٍّ، والهاء ضمير متَّصل مبنيٌّ في محلِّ جرٍّ بحرف الجرِّ، عائد إلى النَّبيِّ الأَعظم محمَّد ــ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ــ، و«نبوَّتَهُ»: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظَّاهرة على آخره، وهو مضاف، والهاء ضمير متَّصل مبنيٌّ على الضَّمِّ في محلِّ جرٍّ بالإضافة عائد إلى الله ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ [9])[10].

الهوامش:
[1]. العين: 1/317. وينظر: المحيط في اللغة: 1/357.
[2]. تهذيب اللغة 2/274.
[3]. معجم مقاييس اللغة 2/199.
[4]. ينظر: الصحاح في اللغة: 1/163.
[5]. مفردات ألفاظ القرآن: 274 و275.
[6]. المحكم والمحيط الأعظم 2/ 325.
[7]. ينظر: بداية المعرفة: 146.
[8]. الأحزاب/ 40.
[9]. الأنبياء: 107.
[10] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 126-130.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3531 Seconds