بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم – الجامعة العربية.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد:
فإن مما ورد في خطاب الإمام علي عليه السلام أنه كان يستخدم الأمثال التي وردت في القرآن وهذا يكشف عن اهتمامه عليه السلام بكتاب الله تعالى وتوظيف ما ورد فيه من أمثال ضمن ابعاد معرفية عدة.
ولقد كشفت الدراسات عن استخدام المثل في القرآن بطريقة حازت السبق بين لهجات العرب في الإيجاز واستولت على أذهانهم في الإعجاز، فانجذبوا إليها لحلاوتها، وآمنوا بأولويتها.
والأمثال الواردة في القرآن الكريم تكون على نوعين رئيسين:
النوع الأول: الأمثال الظاهرة، والأمثال الظاهرة متكونة من المشبه والمشبه به، وكتب الأمثال في القرآن الكريم أكثرها من هذا النوع، من أمثلتها على سبيل المثال لا الحصر (كتاب أمثال القرآن) لإبن قيم الجوزية (ت75هـ) جمع الأمثال القرآنية وناقشها:
كما في قوله تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[1]
فشبه الذين اتخذوا من دون الله بأنهم ضعفاء ووصف الذين اتخذوهم أولياء بأنهم أضعف منهم، فكيف ينصرونهم[2]؟
النوع الثاني: من أمثال القرآن الكريم: هي الأمثال الكامنة وتتكون من ورود أمثال وأقوال مشهورة عند العرب، توافق في معناها بعض الآيات القرآنية الكريمة وقد تعرض لهذا النوع من الأمثال في القرآن الحسين بن الفضل (ت282هـ) في كتابه (الأمثال الكامنة في القرآن الكريم)[3] وأورد الأمثال المذكورة في كتابه على شكل أسئلة يجيب عنها من القرآن الكريم.
قال إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم بن طوق: قال سمعت أبي يقول: سألت الحسين بن الفضل فقلت: إنك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن، فهل تجد في كتاب الله تعالى:
(خير الأمور أوسطها)؟
قال: نعم في أربعة مواضع، نذكر منها موضعاً للتوضيح:
{وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}[4]
وللثعالبي (ت430هـ) كتاب أسماه (خاص الخاص) جعل الباب الثاني منه في أمثال العرب والعجم والخاصة والعامة، جاءت في معانيها ألفاظ القرآن، فهي أحسن وأبلغ وأشرف وأولى بالإقتباس والتمثيل بها[5].
من استحقاق الشاكر المزيد - العرب - الشكر مفتاح الزيادة - الخاصة - من شكر قليلاً استحق جزيلاً، وفي القرآن (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ)[6] وفي الأمر بالمشاورة - العرب - المشاورة قبل المساورة وفي القرآن (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ[7])[8].
الهوامش:
[1]- العنكبوت: آية 41.
[2]- ابن قيم الجوزية: أمثال القرآن، ص30.
[3]- الحسين بن الفضل (ت282هـ): الأمثال الكامنة في القرآن الكريم، حققه: الدكتور علي حسين البواب، نشر في مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد السادس والثلاثون، الميداني: مجمع الأمثال 1/243.
[4]- الإسراء: آية 29.
[5]- الثعالبي: أبو منصور: (ت430هـ)، خاص الخاص، تحقيق: مأمون محي الدين، ط: 1، دار الكتب العلمية، بيروت، ط:1، 1994 ص35.
[6]- إبراهيم: آية 7.
[7]- آل عمران: آية 159.
[8]- لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، 165-167.