الأخلاق من نهج البلاغة - أثر الإيمان بالمعاد على الإنسان الحلقة الثانية: أثر الإيمان بالبرزخ في تقويم السلوك.

سلسلة قصار الحكم

الأخلاق من نهج البلاغة - أثر الإيمان بالمعاد على الإنسان الحلقة الثانية: أثر الإيمان بالبرزخ في تقويم السلوك.

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 29-04-2023

بقلم: الشيخ محسن المعلم

((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))

وبعد:
فإن مما ورد في كلام أمير المؤمنين بيانه عليه السلام لأثر الإيمان بالبرزخ على سلوك الإنسان في الحياة فكان منه:
ذوو الميت يسلمونه إلى قبره ويعودون:
«ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ وَنِضْوَ سَقَمٍ تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وَحَشَدَةُ الْإِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ»[1].

2 - حساب القبر:
«حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ المُشَيِّعُ وَرَجَعَ المُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ وَعَثْرَةِ الِامْتِحَانِ»[2].
وحكايته عن هول ذلك العالم تأخذ بالألباب ومجامع القلوب:
«سُلِّطَتِ الْأَرْضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وَشَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لَا يَنْمُونَ وَضِمَاراً لَا يُوجَدُونَ»[3].
إلى آخر ما بلغ به من معالم دار الكربة والغربة وضيقها وشدة محنها وفجائع شجونها.
وهي الخطبة العجيبة التي قالها بعد تلاوته {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ}[4].
ويعجبني جدًّا نقل ما قاله الشارح ابن أبي الحديد لكشفه عن الحقيقة وبيان الحق الصراح:
«من أراد أن يعظ ويخوف ويقرع صفاة القلب ويعرف الناس قدر الدنيا وتصرفها بأهلها فليأت بمثل هذه الموعظة في مثل هذا الكلام الفصيح وإلا فليمسك فإن السكوت أستر والعي خير من منطق يفضح صاحبه، ومن تأمل هذا الفصل علم صدق معاوية في قوله فيه (والله ما سن الفصاحة لقريش غيره)، وينبغي لو اجتمع فصحاء العرب قاطبة في مجلس وتلي عليهم أن يسجدوا له كما سجد الشعراء لقول عدي بن الرقاع:
قلم أصاب من الدواة مدادها
فلما قيل لهم في ذلك، قالوا: إنا نعرف مواضع السجود في الشعر كما تعرفون مواضع السجود في القرآن.
وإني لأطيل التعجب من رجل يخطب في الحرب بكلام يدل على أن طبعه مناسب لطباع الأسود والنمور وأمثالهما من السباع الضارية ثم يخطب في ذلك الموقف بعينه إذا أراد الموعظة بكلام يدل على أن طبعه مشاكل لطباع الرهبان لابسي المسوح الذين لم يأكلوا لحما ولم يريقوا دمًا...»[5] .
ولا يعنيني هنا دقة تشبيهه من ذكر الفُتّاك الشجعان والنُّسّاك الرهبان أو مقاربته بالمسيح بن مريم الإلهي.
ثم أردف قائلاً: «وأقسم بمن تقسم الأمم كلها به لقد قرأت هذه الخطبة منذ خمسين سنة وإلى الآن أكثر من ألف مرة، ما قرأتها قط إلا وأحدثت عندي روعة وخوفًا وعظة وأثرت في قلبي وجيبًا وفي أعضائي رعدة ولا تأملتها إلا وذكرت الموتى من أهلي وأقاربي وأرباب ودي وخيلت في نفسي، فقال: إني أنا ذلك الشخص الذي وصف عليه السلام حاله»[6].
وختم حديثه بتجلي الإمام وامتيازه على كافة الوعاظ وفصحاء الخطباء وعلل تفاعله وانبهاره:
«وكم قد قال الواعظون والخطباء والفصحاء في هذا المعنى وكم وقفت على ما قالوه وتكرر وقوفي عليه فلم أجد لشئ منه مثل تأثير هذا الكلام في نفسي فاما أن يكون ذلك لعقيدتي في قائله أو كانت نية القائل صالحة ويقينه كان ثابتا وإخلاصه كان محضا خالصا فكان تأثير قوله في النفوس أعظم وسريان موعظته في القلوب أبلغ»[7])[8].

الهوامش:
[1] خ 83 /113.
[2] خ 83 /113.
[3] خ 221 /338.
[4] سورة التكاثر /1-2.
[5] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 /152-153.
[6] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 /153.
[7] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 /153-154.
[8] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص 123-126.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.4346 Seconds