بقلم: السيد نبيل الحسني.
تناولنا في الحلقة السابقة قول أمير المؤمنين(عليه السلام) في أمره لمالك الأشتر(رحمه الله): «فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ».
وبحثنا دلالة الأمر بحب العمل الصالح وتقديمه على كل ما يذخره الإنسان من مال أو أولاد أو غيرها مما يجمع ويذخر، وبيّنا أثر حب العمل الصالح على تنمية الذات وتطوير القدرات النفسية للإنسان وحثه على العمل.
ومما لا شك فيه أنّ تعلق الإنسان بالأشياء حينما يكون في مواقع السلطة والإدارة والقيادة أو في موارد الاتجار والسوق والأموال يكون على درجة عالية من التأثر بها، فينشغل قلبه بما يبهر النفس، ومن ثمّ يندفع بفطرته إلى اختيار الأشياء وانتقائها وهو بهذه الحالة قد لا يدرك أن الباعث في نفسه ثمن هذا الشيء وحده، وإنما هي الفطرة والحب والانجذاب للأشياء التي لها بريق يأسر النفس.
من هنا: يجعل أمير المؤمنين(عليه السلام) الفطرة الإنسانية هي الباعث في اقتناء الشيء والانجذاب إليه عبر جمالية الشيء ، أي توجيه الفطرة الإنسانية إلى جمالية العمل الصالح فيحوله باتجاه الإيمان باليوم الآخر وأنه الباعث على الاختيار والانتقاء والادخار فلولا أيمانه باليوم الأخر لما اندفع للعمل الصالح.
أما إذا كانت النفس مجبولة على العمل الصالح أو الفعل الجميل أو العمل الإنساني وبذل المنفعة للناس فهو لا يعد ضمن الذخيرة لليوم الآخر ما لم يقرن بقصد القربة لله تعالى والإيمان باليوم الآخر، ولكن الله تعالى يعطي الإنسان لما بذله من منفعة للناس ثمارا يجني أثارها في الحياة الدنيا وما لهم في الآخرة من نصيب.
قال تعالى:
{وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 19- 20].
ومن ثمّّ كي يتمكن الإنسان من تنمية ذاته وتطوير قدراته النفسية فلا بد له من النية الصادقة، والعزم الجاد، والإرادة الحقيقة، والنقية من الأوهام، وخداع النفس، ويتوجه إلى حب العمل الصالح المرتكز على جمالية الإيمان باليوم الآخر والأنس به، فهو خير ما يذخره الإنسان لنفسه في يوم الوقوف بين يدي الله تعالى، وذلك أن الإيمان بما أعده عزّ وجّل للعاملين هو الباعث الحقيقي والمؤثر في تنمية الذات وهو المرتكز في نيل مرضاته، فضلا عن الأثار الدنيوية المتربة على أعمار الحياة[1].
الهوامش:
(1) لمزيد من الاطلاع ، ينظر : فقه صناعة الإنسان ، الأوامر والنواهي في عهد الإمام علي(عليه السلام) لمالك الاشتر(رحمه الله) ، دراسة في ضوء أصول الفقه والأخلاق ، السيد نبيل الحسني ، ص178- 179 / مع بعض الإضافة، إصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة ، ط 1 - دار الوارث كربلاء المقدسة 2023م