مباحث أخلاقية وتنموية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله). الحلقة (21): دلالة صيغة النهي في قوله: «ولَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ الله» في ضوء الأخلاق وتهذيب النفس.

مقالات وبحوث

مباحث أخلاقية وتنموية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله). الحلقة (21): دلالة صيغة النهي في قوله: «ولَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ الله» في ضوء الأخلاق وتهذيب النفس.

164 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-04-2025

بقلم: السيد نبيل الحسني.

وردت النواهي في عهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بصيغة (لا تفعل) في مواضع عدّة لتدل على أهمية هذه الصيغة وأثرها في علم الأخلاق وتهذيب النفس وتنمية  قدراتها، وذلك لكونها المواد الأساس في صناعة الإنسان، ولاسيما في مواقع القيادة.
ومن ثمّ فإن أوّل نهي يبتدأ به أمير المؤمنين (عليه السلام) العهد لمالك، هو قوله:
«ولَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّه»، فما معنى النَصْب ودلالته في مباحث علم الأخلاق وتهذيب النفس وتنمية مهارات الإنسان وقدراته الشخصية ولاسيما في مواقع القيادة؟

1ـ معنى النَّصْبُ لُغَةً.
تكشف المعاجم اللغوية عن أن معنى «النَّصْبُ: وَضْعُ الشيءِ ورَفْعُه.
وكلُّ شيءٍ رُفِعَ واسْتُقْبِلَ به شيءٌ فقد نُصِبَ، وتَنَصَّبَ فلانٌ وانْتَصَبَ إِذا قام رافعاً رأْسه، ونَصَبَ له الحربَ نَصْباً: وَضَعَها. وناصَبَهُ الشَّرَّ والحربَ والعَداوةَ مُناصبةً: أَظهَرَهُ له» [1].

2 ـ دلالة النهي في قوله (عليه السلام) «ولَا تَنْصِبَنَّ» في تهذيب النفس.
إنَّ أوّلَ ما يلاحظ في صيغة النهي الواردة في النّص الشريف هي كونها متعلقة بفقه صناعة الدولة، وذلك بقرينة ما قبلها وما بعدها من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلاحظ قوله (عليه السلام):
«فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، ويُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ والْخَطَإِ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وصَفْحِكَ، مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ الله مِنْ عَفْوِه وصَفْحِه، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ ووَالِي الأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، واللَّه فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ، وقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وابْتَلَاكَ بِهِمْ، ولَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّه، فَإِنَّه لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِه، ولَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِه ورَحْمَتِه، ولَا تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ ولَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ، ولَا تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً، ولَا تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ، ومَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ وتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ».

إلاّ أنّ العامل المشترك فيما بين صناعة الدّولة وصناعة الإنسان، هو مواقع القيادة، وذلك لأمور منها:
1ـ إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد رَّكَزَ في عهده للأشتر على صناعة الإنسان وجعله الأساس الذي يبنى عليه نظام الحياة عبر تهذيب النفس وصقلها وترويضها كي لا تقع في المحاذير الشرعية، فضلا عن المحاذير الأخلاقية وإنْ كانت المسائل الأخلاقية هي عين غاية الشريعة.

2ـ إنَّ هذه المسألة، أي التعامل مع الآخر، هي من المسائل الابتلائية، وذلك أنّ كثيرا من الرجال أو النساء قد تكلفوا بمهام حياتية قيادية ولاسيما في مواضع صنع القرار أو يراد منهم أن يتخذوا قرارا في توجيه الأمور أو توجيه الأشخاص، وأقل مواردها هي الأسرة وشؤونها؛ ومن ثمّ يكون الإنسان على المحك مع الحكم الشرعي عبْر الإنصاف في قراره وتعامله مع الآخرين وعدم المساس بحقوقهم.

وعليه:
يكون الإنسان في موقع التَنْصيب ، أي يُنَّصب نفسه لمحاربة لله تعالى عبْر انتهاك حقوقه عزّ وجلّ في الناس، ولذا يسبق (عليه السلام) النهي بالتنصيب لحرب الله، الأمر لمالك الأشتر بالعفو والصفح عن الناس، فيقول:« فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وصَفْحِكَ، مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّه مِنْ عَفْوِه وصَفْحِه» كي لا يُعَرّض نفسه لنقمة الله تعالى، ويحجب رحمته وعفوه عنه[2].

الهوامش:
[1] لسان العرب، مادة (نصب): ج1 ص758
[2] لمزيد من الاطلاع، ينظر: فقه صناعة الإنسان، الأوامر والنواهي في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر (رحمه الله)، دراسة في ضوء أصول الفقه والأخلاق، السيد نبيل الحسني، ص224- 226/ مع بعض الإضافة، إصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة، ط1، دار الوارث كربلاء المقدسة 2023م

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3134 Seconds
BESbswy