بقلم: الشيخ محسن المعلم
((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))
وبعد:
فإن مما ورد في كلام أمير المؤمنين بيانه عليه السلام لأثر الإيمان بالبعث والنشور على سلوك الإنسان في الحياة فكان منه قوله عليه السلام:
حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ وَأَزِفَ النُّشُورُ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ وَأَوْكَارِ الطُّيُورِ وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ وَمَطَارِحِ المَهَالِكِ سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ رَعِيلًا صُمُوتاً قِيَاماً صُفُوفاً يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الِاسْتِكَانَةِ وَضَرَعُ الِاسْتِسْلَامِ وَالذِّلَّةِ قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ وَانْقَطَعَ الْأَمَلُ وَهَوَتِ الْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ وَعَظُمَ الشَّفَقُ وَأُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ وَنَكَالِ الْعِقَابِ وَنَوَالِ الثَّوَابِ»[1].
وصور قدرة الجبار يوم تبدل الأرض غير الأرض وبرز الخلق لخالقهم جميعاً فقال عليه السلام:
«حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَالْأَمْرُ مَقَادِيرَهُ وَأُلْحِقَ آخِرُ الْخَلْقِ بِأَوَّلِهِ وَجَاءَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا يُرِيدُهُ مِنْ تَجْدِيدِ خَلْقِهِ أَمَادَ السَّمَاءَ وَفَطَرَهَا وَأَرَجَّ الْأَرْضَ وَأَرْجَفَهَا وَقَلَعَ جِبَالَهَا وَنَسَفَهَا وَدَكَّ بَعْضُهَا بَعْضاً مِنْ هَيْبَةِ جَلَالَتِهِ وَمَخُوفِ سَطْوَتِهِ وَأَخْرَجَ مَنْ فِيهَا فَجَدَّدَهُمْ بَعْدَ إِخْلَاقِهِمْ وَجَمَعَهُمْ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ»[2].
ويوفّيهم جزاءهم فمنهم شقي وسعيد:
«ثُمَّ مَيَّزَهُمْ لِمَا يُرِيدُهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ عَنْ خَفَايَا الْأَعْمَالِ وَخَبَايَا الْأَفْعَالِ وَجَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ أَنْعَمَ عَلَى هَؤُلَاءِ وَانْتَقَمَ مِنْ هَؤُلَاءِ فَأَمَّا أَهْلُ الطَّاعَةِ فَأَثَابَهُمْ بِجِوَارِهِ وَخَلَّدَهُمْ فِي دَارِهِ حَيْثُ لَا يَظْعَنُ النُّزَّالُ وَلَا تَتَغَيَّرُ بِهِمُ الْحَالُ وَلَا تَنُوبُهُمُ الْأَفْزَاعُ وَلَا تَنَالُهُمُ الْأَسْقَامُ وَلَا تَعْرِضُ لَهُمُ الْأَخْطَارُ وَلَا تُشْخِصُهُمُ الْأَسْفَارُ وَأَمَّا أَهْلُ المَعْصِيَةِ فَأَنْزَلَهُمْ شَرَّ دَارٍ وَغَلَّ الْأَيْدِيَ إِلَى الْأَعْنَاقِ وَقَرَنَ النَّوَاصِيَ بِالْأَقْدَامِ وَأَلْبَسَهُمْ سَرَابِيلَ الْقَطِرَانِ وَمُقَطَّعَاتِ النِّيرَانِ فِي عَذَابٍ قَدِ اشْتَدَّ حَرُّهُ وَبَابٍ قَدْ أُطْبِقَ عَلَى أَهْلِهِ فِي نَارٍ لَهَا كَلَبٌ وَلَجَبٌ وَلَهَبٌ سَاطِعٌ وَقَصِيفٌ هَائِلٌ لَا يَظْعَنُ مُقِيمُهَا وَلَا يُفَادَى أَسِيرُهَا وَلَا تُفْصَمُ كُبُولُهَا لَا مُدَّةَ لِلدَّارِ فَتَفْنَى وَلَا أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَيُقْضَى»[3].
وقال عليه السلام في أهوال الطامّة وشدائد يوم القيامة بعد وصيته بالاعتصام بالتقوى وأمره بمبادرة الموت وغمراته وبيانه لروعات الفزع وظلمة اللحد:
«فِي مَوْقِفٍ ضَنْكِ المَقَامِ وَأُمُورٍ مُشْتَبِهَةٍ عِظَامٍ وَنَارٍ شَدِيدٍ كَلَبُهَا عَالٍ لَجَبُهَا سَاطِعٍ لَهَبُهَا مُتَغَيِّظٍ زَفِيرُهَا مُتَأَجِّجٍ سَعِيرُهَا بَعِيدٍ خُمُودُهَا ذَاكٍ وُقُودُهَا مَخُوفٍ وَعِيدُهَا عَمٍ قَرَارُهَا مُظْلِمَةٍ أَقْطَارُهَا حَامِيَةٍ قُدُورُهَا فَظِيعَةٍ أُمُورُهَا»[4].)[5].
الهوامش:
[1] خ 83 /108-109.
[2] خ 109 /161.
[3] خ 109 /161.
[4] خ 190 /281-282.
[5] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص 127-129.