قوله: ((يا معشر قريش ليبعثن الله عليكم رجلا منكم قد امتحن الله قلبه للإيمان فيضربكم أو يضرب رقابكم))
بقلم: الدكتور محمد سعدون عبيد العكيلي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
يرويّ الكوفي رواية يذكر فيها واحدة من منازل ومراتب الإمام علي (عليه السلام) التي أشار إليها الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) حيث يقول: (... عن ربعي عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (يا معشر قريش ليبعثن الله عليكم رجلا منكم قد امتحن الله قلبه للإيمان فيضربكم أو يضرب رقابكم، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، فقال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل، وكان أعطى عليا نعله يخصفها). وهنا يختلف احمد بن حنبل[1] بذكر الرواية مع ابن أبي شيبة حيث يرويها باختلاف السند والمضمون وبالشكل التالي: (... سمعت أبا سعيد الخدري يقول كنا جلوسا ننتظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج علينا من بعض بيوت نسائه قال فقمنا معه فانقطعت نعله فتخلف عليها علي يخصفها فمضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومضينا معه ثم قام ينتظره وقمنا معه فقال إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال لا ولكنه خاصف النعل، قال فجئنا نبشره قال وكأنه قد سمعه). ويورد الخطيب البغدادي[2] الرواية بشكل مختلف عما رواها ابن أبي شيبة فيقول: (... عن ربعي بن حراش قال: سمعت عليا يقول وهو بالمدائن: جاء سهيل بن عمرو إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: (إنه قد خرج إليك ناس من أرقائنا ليس بهم الدين تعيذا فأرددهم علينا). فقال له أبو بكر وعمر: صدق يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لن تنتهوا يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه بالإيمان يضرب أعناقكم، وأنتم مجفلون عنه إجفال، النعم فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله. قال: لا، قال له عمر: أنا هو يا رسول الله. قال: لا، ولكنه خاصف النعل). قال: وفي كف علي نعل يخصفها لرسول الله (صلى الله عليه وآله)). ويختلف المفيد[3] بذكره للرواية مع من سبق حيث يوردها بالشكل والمضمون التالي: (وقوله لسهيل بن عمر ومن حضر معه لخطابه على رد من أسلم من مواليهم لتنتهين يا معشر قريش ليبعث الله عليكم رجلا يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله) فقال له بعض أصحابه من هو يا رسول الله؟ هو فلان قال لا قال فلان؟ قال لا ولكنه خاصف النعل في الحجرة فنظروا فإذا به علي (عليه السلام) في الحجرة يخصف نعل النبي).
وهنا نجد ذكره أبا بكر وعمر يختلف عما سبقه يبدو أنه استخدم مبدأ التقية عند ذكر أسمائهم وأيضاً ذكر المكان الحجرة حيث تفرد بذكره عمن سبقه وهو تأكيد على من في داخلها. ونستدل من حادثة خصف النعل على قرب وقوة العلاقة التي ترتقي إلى خدمة أمير المؤمنين (عليه السلام) للنبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) فأي إيثار وأي تجرد عن الذات قام به أمير المؤمنين إزاء أخيه وأبن عمه خاتم النبيين.
وتفرد ابن البطريق[4] بذكر البيت الذي خرج منه الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) فهو بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) حيث لم يذكره من سبق ممن ذكر الرواية. فيرويها بالشكل التالي: (... عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كنا جلوسا في المسجد فخرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي في بيت فاطمة (عليها السلام) فانقطع شسع نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأعطاها عليا يصلحها، ثم جاء فقام علينا فقال: ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. قال أبو بكر: انا هو يا رسول الله؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ فقال قال: لا ولكنه خاصف النعل).
ويذكر الكوفي[5] الرواية في موضع آخر وهو مختلف بالسند والمضمون حيث يقول: (... عن أبي سعيد الخدري قال: كنا جلوسا في المسجد فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجلس إلينا ولكأن على رؤوسنا الطير، لا يتكلم أحد منا، فقال: إنَ منكم رجلا يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلتم على تنزيله، فقام أبو بكر فقال: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، فقام عمر فقال: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل في الحجرة، قال: فخرج علينا علي ومعه نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله ) يصلح منها (. فهنا نلاحظ ذكر سند مختلف للرواية عن الرواية السابقة التي رواها كذلك نلاحظ الاختلاف في النص للرواية حيث ذكر موقف الصحابة وكأن على رؤوسهم الطير وأيضاً ذكر الحجرة المكان الذي جلس فيه الإمام علي (عليه السلام) وهو يخصف بنعل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله). فهنا يتبادر لدينا السؤال لماذا يذكر ابن أبي شيبة الكوفي الرواية ثم يعود بذكرها مرة أُخرى وبسند ونص مختلف؟ فالجواب يأتي هو تعدد الطرق التي اعتمدها في ذكر الرواية مما يدل على أنه مجد في عمله حتى لم يدخر جهداً لإغفال الرواية فيعمل على تأكيده للرواية بالتكرار في ذكرها.)[6].
الهوامش:
[1] مسند أحمد، ج2، ص412؛ المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين (ت 975 هـ)، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق: صفوة السقا، د- ط، مؤسسة الرسالة، (بيروت - 1989م)، ج13، ص122.
[2] تاريخ بغداد، ج1، ص144؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج42 ص342؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، ج3، ص643؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص338.
[3] الجمل، د- ط، مكتبة الداودي، (قم، د- ت)، ص35؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج20، ص360.
[4] خصائص الوحي المبين، تحقيق: مالك المحمودي، ط1، دار القرآن الكريم، (قم - 1417هـ)، ص238.
[5] المصنف، ج7، ص498.
[6] لمزيد من الاطلاع ينظر: أخبار الإمام علي بن ابي طالب في كتاب المصنف لابن ابي شيبة الكوفي: تأليف محمد سعدون عبيد العكيلي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 123-126.