بقلم: د. قاسم خلف السكيني.
الحمد لله رب العالمين، عليه نتوكل وبه تعالى نستعين، سبحانه (الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره، ولا قلب من أثبته يبصره). وصلوات ربي الزاكيات، وسلامه الموفور بالخير والبركات، على خير خلقه، وخاتم رسله، محمد وعلى آله الطاهرين.
وبعد:
قال عليه السلام: يَا ابْنَ آدمَ،إِذَا رَأيْتَ اللَّهَ سُبْحَانَهَ يُتابِعُ عَلَيكَ نِعَمَهُ،وأَنْتَ تَعْصِيْهِ فَاحْذَرْهُ[1]
قال ابن أبي الحديد في بيان معنى هذه الموعظة: (إن العبد بغروره يعتقد أن موالاة النعم عليه وهو عاصٍ، من باب الرضا عنه، ولا يعلم أنه استدراج له ؟ . وقد ورد في القرآن الكريم {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُم لٍيًزْدادُوا إِثْماً}[2].
وهذا يعني أن الحذر غالباً ما يكون تالياً لتقصير في العمل، ولذلك فإن جملة (وأنت تعصيه) لابد أن تكون في سياق الحكمة لكي تسوغ ورود جملة (فاحذره).
ومن هنا فإن روايتي العيون وشرح الغرر يعتريهما ضعف دلالي من هذا الجانب.
كذلك، يلاحظ أن رواية العيون: (... يتابع عليك النعم مع المعاصي) فيها لبس دلالي. إذ قد يفهم منها أن تتابع النعم يصاحبه تتابع المعاصي. وأما رواية الحدائق فهي ضعيفة أسلوبيا، وكأنها شرح للموعظة، وليست الحكمة نفسها.
وذكر ابن أبي الحديد أن أبا حازم الأعرج وعظ عمر بن عبد العزيز (101هـ) فكان من كلامه (إذا تتابعت عليك نعم ربك وأنت تعصيه فاحذره)[3]. وقد انفرد ابن أبي الحديد في ذكر أبي حازم، مما لا يقوي لدينا التسليم بروايته)[4].
الهوامش:
[1] ورد في العيون ص 136 (إذا رأيت الله يتابع عليك النعم فاحذره)، وفي ص 135 (إذا رأيت لله يتابع عليك النعم مع المعاصي فهو استدراج لك). وورد في الحدائق 2/631 (احذر أن تقع في معاصيه بما انعم عليك به على التواتر من صحة البدن وكثرة المال والأولاد واستقامة الأحوال)، وفي شرح الغرر 3/142 (إذا رأيت ربك يتابع عليك النعم فاحذره)، وفي 6/460 (يا ابن ادم إذا رأيت الله سبحانه يتابع عليك نعمه فاحذره وحصن النعم بشكرها)، ووردت الحكمة بلفظ المتن في: المنهاج 3/112، والترجمة 2 / 215، وشرح ابن أبي الحديد18/173، وشرح البحراني 5/373، والمصباح ص582.
[2] آل عمران / 178.
[3] أبو حازم هو: سلمة بن دينار عالم المدينة، وقاضيها، وشيخها، فارسي الأصل، كان زاهداً عابداً توفي في المدينة سنة (140 هـ). الأعلام 3 / 113.
[4] لمزيد من الاطلاع ينظر: شرح حكم الإمام علي وتحقيقها من شروح نهج البلاغة: للدكتور قاسم خلف مشاري السكيني، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص48-49.