بقلم: السيد نبيل الحسني.
في المورد الثاني عشر والأخير ضمن حلقات مناقشة أقوال المفسر الآلوسي الحنفي الذي يدافع فيه عن خصوم فاطمة (عليها السلام)، في تفسير قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}، وبعد دفاعه المستمر والمستميت، يقول:
(أن رضا الزهراء رضي الله تعالى عنها بعْدُ على الصديق سد باب الطعن عليه أصاب في المنع أم لم يصب).
أقول: إنّ مسألة رضا فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) لم تقع إلاّ في أوهام الآلوسي كما مرَّ بيانه في المقال السابق مفصلاً.
أما قوله الذي يقر فيه بظلامة فاطمة (عليها السلام) وبيانه للعلة الأساس في دفاعه عن خصومها ففيه أمور، منها:
1. إنَّ الأمر لا يدور مدار الطعن، فهذا ما يرّوج له وعاظ السلاطين واللاهفين على فتات موائدهم ، وذلك أن من وسائل بقاء السلطان وجود هذه الرؤى والأنساق الثقافية لتضليل الناس واستدرار عواطفهم وإثارة حميَّتهم.
2. إنَّ إيراد هذه الظلامة منذ وقوعها والى يوم ظهور مهدي الأمة (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه المعصومين) هي قضية شرعية وأخلاقية وإنسانية.
3. إنَّ السكوت على ظلم العترة النبوية (عليهم السلام) يُعد انغماساً في موافقة من ظلمهم ويجر إلى موالاتهم ويصد عن سبيل الله ، وهذا الأمر قد حذّرت منه الشريعة، قال تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [سورة المجادلة/14-16].
4 ـ إن كتمان ظلامة فاطمة (عليها السلام) يقود إلى غضب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وقد تواتر قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني» [1]
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
«فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها»[2].
وقد قال الله تعالى في بيان آثار أذى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله عز وجل:
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [سورة الأحزاب/57].
4 ـ إنّ بيان ما نزل بأهل البيت (عليهم السلام) من الظلم ولا سيما بضعة النبوة فاطمة (صلوات الله عليها) والتعريف به للناس هو منهج قرآني لا يمكن لأحد نكرانه ولو كان ذكر الظلامات يعد تعريضا بالظالمين لما ذكر الله تعالى ما فعله أبناء يعقوب بنبي الله يوسف ، وما كنا سمعنا الوحي يقص على النبي (صلى الله عليه وآله) ما جرى على الأنبياء (عليهم السلام) ولا سيما بني إسرائيل وغيرهم من الأمم ، فكل ذلك على راي الآلوسي سيكون تعريضاً.
لكن المشكلة الأساس التي وقعت بها الأمة منذ وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهوت في التيه أنها تركت التمسك بما يعصمها من الضلال وهما القرآن والعترة ولا سيما علي بن أبي طالب عليه السلام:
فها هو الحرث بن ليث الحوطي قد ألتبس عليه الأمر كما ألتبس على غيره ووقع في دائرة الوهم فلم يدري أيكون اجتماع عائشة وطلحة والزبير على باطل وأن ذكر خروجهم لقتال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) يُعد تعريضا بهم سواء أصابوا أم أخطئوا؟!
فجائه الجواب مزلزلا ومدويا ومبددا لغيوم الوهم والشبهات ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:
«يا حار، أنت ملبوس عليك، إنَّ الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، وبإعمال الظن، أعرف الحق تعرف أهله، واَعرف الباطل تعرف أهله»[3].
ومِنْ ثمَّ : لا يمكن دفع التوارث بين الأنبياء (عليهم السلام) في الأموال بعد إقرار القرآن والسُنّة واللغة بذلك ، كما لا يمكن دفع الهبة بينهم ، أو الوصية أو التولية أو النص بالخلافة الجعلية من الله تعالى على ألسنتهم ؛ إلاّ أن الحقيقة المرّة والتي لا مفرَّ منها، هي:
تضافر الأمة على هضم فاطمة (عليها السلام) جيلا بعد جيل ، وخلف بعد سلف ، وقد تجلّت في دفاعهم عن خصومها ، والانتصار لهم ، وهو ما صرّح به أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، بعد أن واراها الثرى، فحوّل بوجهه إلى الروضة النبوية الشريفة ، فقال:
«السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه عَنِّي، والسَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وزَائِرَتِكَ والْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ...»[4] إلى أن يقول:
«وسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ [عليَّ] وعَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ»[5] «فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقول ، ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين»[6] . [7]
الهوامش:
[1] صحيح البخاري: ج4 ص 210.
[2] المصدر نفسه: ج6 ص 158.
[3] أنساب الأشراف للبلاذري: ج2 ص274؛ البيان والتبيان للجاحظ: ص491؛ تاريخ اليعقوبي: ج2 ص210.
[4] الكافي ، الكليني: ج1 ص458 ؛الأمالي ، الشيخ المفيد :ص283 ؛ نهج البلاغة ، الشريف الرضي : الخطبة رقم 202 .
[5] نهج البلاغة، الشريف الرضي: الخطبة رقم: 202
[6] الأمالي ، الشيخ المفيد : ص282
[7] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : معارضة حديث لا نورث للقران والسُنّة واللغة ، السيد نبيل الحسني : 225 / 228 ، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة ، ط1 دار الوارث كربلاء - 2021م – مع بعض التصرف والإضافة- .