بقلم: د. سعيد عكاب عبد العالي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطُفي من الخلق، وانتُجب من الورى، محمد وآله أُلي الفضل والنُّهى.
وبعد:
(انْفَعَلَ)، هو ما زيدت فيه(الهمزة، والنُّون) في أوَّلِهِ، ولا يأتي إلَّا لازمًا([1])، ولَا يُبْنى من لَازمٍ، خِلافًا لأبي عَليِّ الفَارِسِيّ(ت377هــ)، إذ قالَ: إنَّه أتى من لَازمٍ([2]).
أمَّا دلالتُهُ؛ فهيَ المُطاوعةُ، قالَ ابنُ السّرَّاج: «هذَا البناءُ يجيءُ للمُطاوعةِ نحو: قَطعتُهُ فانْقَطَعَ، وكسَرتهُ فانْكَسَرَ»([3]).
وقد وردَ هذا البناءُ في المرويَّات، دالًّا على معنى المُطاوعةِ في قولِ ابنِ منظور في بيانِ معنى كلمةِ(انْدَمَج): «ومِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ(عليه السَّلام): بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكنونِ علْمٍ، لَوْ بُحْتُ بـه لاضْطَرَبْتم اضْــطِرابَ الأَرْشِيَـةِ في الطَّوِيِّ البَعيدَةِ؛ أَي: اجْتَمَعْتُ عليه وانْطَوَيتُ وانْدَرَجْتُ»([4]).
ومعنى الاندماجِ، الدُّخولُ، قالَ ابنُ قتيبة: «انْدَمَجَ وادّمَجَ وادومّج وانْكرَسَ، كلُّهُ إذا دَخلَ في الشَّيءِ واسْتترَ بِه»([5])، ونقولُ: «انـْدَمَجَ الشَّيئانِ، إذا اتَّحدَ أحدُهما بالآخرِ»([6])، وهو مُطاوعٌ لهُ، ومن هذا المعنى يأتي حديثُ الإمامِ(عليه السَّلام)، إذْ يبيِّنُ حالَهُ وذلكَ العلم الَّذي انْطَوَى عليه، فهوَ مُنْدَمِجٌ معه، كمن دخلَ في شيءٍ واستترَ به، قالَ ابنُ أبي الحديد: «وإنَّهُ انْطَوى على عِلمٍ، هو ممتنعٌ لموجبهِ من المُنازعة، وأنَّ ذلك العلمَ لا يُباحُ به، ولو بَاحَ به؛ لاضطَربَ سامعوه كاضطرابِ الأرشيةِ، وهى الحِبالُ في البئِر البعيدَةِ القعرِ»([7]). وإذا قلنا طاوعهُ العلمُ فاندمج؛ يكون المعنى مجازًا، ويَبدُو أنَّ هذا ما أرادهُ الإمام (عليه السَّلام)، والله أعلم. )([8]).
الهوامش:
([1]) ينظر: الممتع في التصريف: 129.
([2]) ينظر: همع الهوامع في شرح جمع الجوامع: 3/306.
([3]) الأصول في النحو: 3/126.
([4]) لسان العرب(دمج): 2/275.
([5]) الجراثيم، لابن قتيبة: 1/242.
([6]) ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة(د م ج): 1/767.
([7]) شرح نهج البلاغة: 1/213.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: مرويات الامام علي عليه السلام في لسان العرب: سعيد عكاب عبد العالي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 108-111.