بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي
الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
وبعد:
أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبَرَ الْأَوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِلَى الْآخِرِينَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، بِأَحْجَارٍ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، (وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تَسْمَعُ)[1]، فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ الَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً، ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَجَراً، وَأَقَلٌ (نَتَائِقِ الدُّنْيَا )[2] مَدَراً، وَأَضْيَقِ بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ قُطْراً، بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ، وَرِمَالٍ دَمِثَةٍ ، وَعُيُونٍ وَشِلَةٍ، وَقُرِىً مُنْقَطِعَةٍ، لَا يَزْكُو بِهَا خُفٌّ وَلَا حَافِرٌ وَلَا ظُلْفٌ [3] ...
شرح الألفاظ الغريبة:
النتائق: - جمع نتيقة - البقاع المرتفعة، ومكة مرتفعة بالنسبة لما انحط عنها من البلدان: المدر: قطع الطين اليابس، وأقل الأرض مدراً لا ينبت إلا قليلاً: دَمَة: لينة يصعب السير فيها والاستنبات منها؛ وَشِلَة: - كفرحة - قليلة الماء؛ لا يزكو: لا ينمو؛ والخف: عبارة عن الجمال؛ والحافر: عبارة عن الخيل وما شاكلها؛ والظلف: عبارة عن البقر والغنم، تعبير عن الحيوان بما ركبت عليه قوائمه[4] .
الشرح:
قوله: «جعله للناس قياماً»: أي مقيماً لأحوالهم في الآخرة، يقال: فلان قيام أهله وقوام بيته، إذا كانت به استقامة أحوالهم، وكون مكة أقل بقاع الأرض مدراً لأن الحجرية أغلب عليها، وإنما أتى بالرمال اللينة في معرض الدم لأنها أيضاً مما لا يزكو بها الدواب لأن ذوات الحافر ترسخ فيها وتتعب في المشي بها.
قال الشارحون وأراد بالخف والحافر والظلف دواتها وهي الجمال والخيل والغنم والبقر مجازاً إطلاقاً لاسم الجزء على الكل أو على تقدير إرادة المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وأراد بكونها لا تزكو: أي لا تسمن وتزيد للجدب وخشونة الأرض، والضمير في «بها» راجع إلى ما دلّ عليه أوعر من الموصوف فإنه أراد بواد أوعر بقاع الأرض حجراً كما قال: {إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}[5])[6])([7]).
الهواش:
[1] ما بين القوسين في شرح نهج ابن ميثم ونهج محمد عبده: (ولا تسمع ولا تبصر).
[2] ما بين القوسين في شرح نهج ابن ميثم ونهج محمد عبده: (نتائق الأرض) بدل من (نتائق الدنيا).
[3] نهج البلاغة لصبحي صالح: ۲۹۲ - ۲۹۳ ضمن الخطبة رقم ۱۹۲، ونهج البلاغة للشيخ العطار: ٣٩١ ضمن الخطبة رقم ۱۹۲ شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٤: ٢٦٧/ ضمن الخطبة رقم ٢٣٤، ونهج البلاغة للشيخ محمد عبده ١: ٤٠٥.
[4] شرح الألفاظ الغربية: ٦٥٢ - ٦٥٣.
[5] إبراهيم: ۳۷.
[6] شرح نهج البلاغة لابن میثم ٤: ۲۷۸ - ۲۷۹ في شرح الخطبة رقم ٢٣٤.
([7]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 239-241.