قال عليه السلام: ((وَلَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى الْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ لاَ وقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لاَ يَكُونُ يَوْمُ الْجَمَلِ إِلَيْهَا إِلاَّ كَلَعْقَةِ لاَعِق))
بقلم: د. حسام عدنان الياسري.
الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.
وبعد:
وقد ذكر الإمام هذا (الجَمَلَ) الذي صار رمزاً لَحْرِب ناكثي بيعته. حتّى صار (يوم الجَملِ) علامة على تلك الوَقْعَةِ التي انتصر فيها الإمام عليهم بالبصرة. ولما حصل في هذا اليوم من انهزام وانكسار لهؤلاء، فقد استعمل الإمام تعبِير (يَوْم الجَمَل)، في مقام التهديد والوعيد بِأَن يصير حال (أهل البَصْرَة) من أصحاب الآراء الجائرة المنابذين للإمام، كحالِ أصحاب الجَمَل الذين انتهى أمرهم بأسرع ما يكون. يقول أمير المؤمنين: ((... وَلَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى الْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ، لاَ وقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لاَ يَكُونُ يَوْمُ الْجَمَلِ إِلَيْهَا إِلاَّ كَلَعْقَةِ [1] لاَعِق، مَعَ أَنِّي عَارِفٌ لِذِي الطَّاعَةِ مِنْكُمْ فَضْلَهُ، وَلِذِي النَّصِيحَةِ حَقَّهُ...)) [2]والنص ذِكْر لحالِ أهل البصرة ومواقف الإمام معهم، على الرغم مّما فعلوه معه منابذة ومخالفة وشقِاق، حتى ألْجؤوه إلى حربهم، فذكّرهم بما صَنَعَهُ (يَوْمَ الجَمَلِ) محاولة لإرجاعهم إلى الحق، والتوبة عند علمهم ببقائه مستعداً لقتالهم [3] مع كون ذلك ليس هينّاً عليه، وذِكْرهُ (يَوْمَ الجَمَلِ) إشارة إلى ما فعله بالناكثين الذين شَتَّت شَمْلَهُم ولم يَسْلَمُ منهم الاّ مَنْ فرَّ منهم. فكأنّ الإمام (عليه السلام) استعمل لفظة (الجمل)؛ إشارة إلى ما سيجري عليهم من أذى لَحِقَ الجَمَل وأصحابه وقد عَبّر عن ذلك بلفظة (لَعْقَةِ) للدلالة على سُهُولة الإيقاع بهم[4]. يلبَث فيها الإمام وجنده كلعقة طعامٍ، فكيف يكون حال أهل البصرة الذين هم أقل شأناً وعدداُ. ونظير توظيف مفردة (الجَمَل) في الدلالة على الدَّابة التي اتخذت واسطة في السَّيْر إلى نَكْث بيعة الإمام (عليه السلام)، ورمزاً في التأليب عليه حتى سميت المعركة باسمه ما أورده الإمام في مقام الأذكار والتحذير لمَنْ ثَبَّطَ الناس عن الخروج معه إلى معركة الجمل.)([5]).
الهوامش:
[1] اللَّعْقَة – بالفتح – المرة الواحدة من اللّحْس. وهو لفظ يدل على كل ما يلعق من دواء أو عَسَلٍ. ينظر: لسان العرب (لعق): 10/330.
[2] نهج البلاغة: ك/29: 494.
[3] ينظر: شرح نهج البلاغة (البحراني): 4/249.
[4] ينظر: الديباج الوضي: 6/2265.
([5]) لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 80-81.