بقلم: د. سعيد عكاب عبد العالي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطُفي من الخلق، وانتُجب من الورى، محمد وآله أُلي الفضل والنُّهى.
وبعد:
وقالَ ابنُ منظور في بيانِ معنى كلمة(دِهَاقًا): «ودَهَق الماءَ وأدْهَقه: أفْرَغهُ إِفْرَاغًا شَدِيدًا، وفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (رَضِيَ اللّه عنه): نُطْفةً دِهاقًا وعَلَقةً مُحاقًا، أَي: نُطْفَةً قَدْ أُفْرِغَت إِفراغًا شَدِيدًا، مِن قَوْلِهِمْ أَدْهَقْت المَاءَ أَفْرَغته إِفراغًا شَدِيدًا، فَهو إِذًا مِنَ الأَضدادِ» ([1]).
والدِّهاقُ في اللُّغةِ يعني: الامتلاء، «وكأسٌ دِهاقٌ: مَلْأَى، وأدهقتها: شَدَدْتُ ملأَها» ([2])، ويأتي بمعنَى التَّقطيع، «دهقت الشَّيءَ: كسَرتهُ وقطَعتهُ» ([3])، وربَّما يأتي بمعنى الإفراغ، كما قالَ ابنُ فارس: «وأدهقتُ الماءَ، إذا أفرغتهُ إفراغًا شديدًا» ([4])، وجاءَ في كتابِ الأفعالِ، لابنِ القطَّاع (ت515هــ): دهَقتُ الرَّجُلَ دَهْقًا: أتعبتُه، ودَهَقَ من المالِ دهَقةً أعطيتُهُ، ودَهقتُهُ: غمزتُهُ غمزًا شديدًا، ودهقتُ الماءَ: صَبَبْتُهُ، وأيضًا عذبتُهُ ([5])
أصبحَ لدينا عدَّة معانٍ لكلمة (دِهَاق) منها الامتلاء الشَّديدُ، والإفراغُ الشَّديد، والتَّكسيرُ والتَّقطيعُ، ولا يَميزها إلَّا السِّياقُ، اثنان منها متضادَّانِ، هما: الامتلاءُ، والإفراغُ، فوجودُ كلمةِ (نُطْفَة) في حديثِ الإمامِ (عليه السَّلام) ذهبَ بمعنى لفظةِ (دِهَاق) إلى الامتلاءِ، أو الإفراغِ، أَيْ: نُطفة قَدْ أُفْرغَت إِفْراغًا شَدِيدًا «مِن قَوْلِهِمْ أَدْهَقْتُ المَاءَ إِذَا أفْرَغته إِفْرَاغًا شَدِيدًا»([6])، أو نُطفة قد امتلأتِ امتلاءً شديدًا بجراثيم الحياة([7])، والدّليلُ على ذلكَ السِّياقُ الَّذي وردتْ فيهِ لفظةُ(دِهَاق)، إذ تقدَّمتْها لفظةُ(نُطْفَة) وهي تعني الماءَ القليل، «والنُّطفَة: مَعْرُوفَة وكلُّ مَاءٍ مُجْتَمعٌ نُطْفَةٌ، ولا يكون إِلَّا قَلِيلًا»([8]).[9]
الهوامش:
[1] لسان العرب (دهق): 10/106.
[2] العين(دهق): 4/326.
[3] غريب الحديث، للخطابي(دهق): 4/1478.
[4] مجمل اللغة(دهق): 1/337.
[5] ينظر: كتاب الأفعال، لابن القطاع: 1/340.
[6] النهاية في غريب الحديث والأثر(دهق): 2/145.
[7] ينظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/269.
[8] الجمهرة(نطف): 2/921.
[9] لمزيد من الاطلاع ينظر: مرويات الامام علي عليه السلام في لسان العرب: سعيد عكاب عبد العالي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 127-129.