من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة ألفاظ قيود الإبل وأزمتها 7- المَخْشُوشُ قال عليه السلام ((إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ الْـمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ))

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة ألفاظ قيود الإبل وأزمتها 7- المَخْشُوشُ قال عليه السلام ((إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ الْـمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ))

80 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 09-12-2024

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:

المَخْشُوشُ

الخَشُّ جعل الخِشَاشِ في أنف البعير([1]). وهو ضرب من العود يجعل في عظم أَنف البعير([2]). والمَخْشوش هو البعير الذي وضع في أنفه ذلك العود([3]) الذي يشد به الزمام؛ ليكون أَسرع لانقياده([4]). وقد وردت لفظة (المَخْشُوش) مرة واحدة في نهج البلاغة([5]) وصفاً (للجَمَلِ) في كلامه (عليه السلام) الذي يردّ فيه على كتاب ورده من معاوية، يذكر فيه أنّ الإمام كان يقاد كما يقاد الجمل المَخْشُوش حتى يبايع. فردّ عليه الإمام قائلاً: ((... وَقُلْتَ: إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ الْـمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ، وَلَعَمْرُ اللهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ، وَأنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ! وَمَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَة ([6]) فِي أنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً فِي دِينِهِ...))([7]). والكلمة التي يرد عليها الإمام (عليه السلام) لمعاوية يشبه فيها الإمام في اكراهه على البيعة بقياد الجمل المَخْشُوش و(الجَمْلُ المَخْشُوشُ) هو الذي يُخَشُّ في أَنفه عودة من الخشب ليشد به الزمام؛ حتى يسهل قياده([8]). وهذهِ كانت - كما يذكر الإمام - على معاوية لاله، لأنّه أراد أنْ يذم بها، فمدح من حيث لا يشعر. فإنّ الذي يراد منه أنْ يبايع لا يكره عليها، وإنما له حَق الاختيار، فأما إذا أُكره على البيعة؛ فإنّه لا محالة مظلوم مجبر على ما أُخذ اليه. ولا شك أن إكراه شخصٍ مثل الإمام على أداء البيعة لأي خليفة، يمثل مخالفةً لمبدأ البيعة أصلاً. فضلاً عما يمثله موقفه (عليه السلام) الرافض لتلك البيعة من دلالات على بطلانها. ومن خلال بيان مفرداة (المَخْشُوش) والعلة في وضع عود الخشب في أنف الجمل، نفهم أن هذا النوع من الجمال لا تخش في أنفه هذهِ العويدة إلاّ إذا كان نفاراً صعب المراس؛ لأنهم إِنّما يخشون أَنفه ليسهل قياده([9])، لما يشعر  به من المٍ عند شد زمامه؛ فضلاً عن لفظة (البَعِيْرِ) في هذا السياق توحي بالصبر وشدة التحمل أيضاً، وهذهِ أوصاف معروفه في الأَبَاعِر في التراث العربي، وهذا التشبيه ربما يصل إلى قدرٍ بسيط من خصال الإمام (عليه السلام) في الصبر وتحمل الأذى الذي أصابه بعد وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) مع جلالة قدر الإمام وعظيم منزلته؛ ولهذا قلب أمير المؤمنين ما ورده من كلام معاوية رأساً على عقب - كما يقال - موجّهاً ملام معاوية من الذَمَّ كما كان يعتقد إلى المدح،فضلاًَ عن الدلالة على بطلان البيعة التي أخذ الإمام اليها مكرهاً لا طائعاً) ([10]).

الهوامش:
([1]) ينظر: العين (خش): 4/132، وتهذيب اللغة (خش): 6/289.
([2]) ينظر: المحكم (خش): 4/495، 496، ولسان العرب (خش): 6/296.
([3]) ينظر: مقاييس اللغة (خش): 2/151، ولسان العرب (خش): 6/296.
([4]) ينظر: لسان العرب (خش): 6/296.
([5]) ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 136.
([6]) الغَضَاضَةُ الإذلال. ينظر: لسان العرب (غضض): 7/198.
([7]) نهج البلاغة: ك/28: 491.
([8]) ينظر: لسان العرب (خش): 6/296.
([9]) نفسه.
([10]) لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 104-106.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2800 Seconds