بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
الصلع
من الأحاديث التي وردت في كتب غريب الحديث تحمل الفاظ الأرض حَدِيثه (عليه السلام): ((أَنَّ أعْرابياً سَـأَلَ النَّبِيَّ صَـلَّى اللهُ عَلَيْـهِ [وآله] وَسَـلَّمَ عَنِ الصُّـلَيْعَاءِ والقُرَيْعاء))([1]).
الألفاظ الغريبة التي وردت في حديثه (عليه السلام) (الصُّلَيْعَاءِ)، و(القُرَيْعاء) و(الصُّلَيْعَاءِ) من أصل(صلع)، قال ابن فارس: ((الصَّاد وَاللَّام وَالْعَيْن أَصْل صَحِيح يَدُلُّ عَلَى مَلَاسَةٍ. مِنْ ذَلِكَ الصَّلَعُ فِي الرَّأْسِ، وَأَصْلُهُ مَأْخُوذ مِنَ الصُّلَّاعِ، وَهُو الْعَرِيضُ مِنَ الصَّخْرِ الْأَمْلَس، الْوَاحِدُ صُلَّاعَة))([2])، والصلعاء: ((هُوَ الْموضع الَّذِي لَا يُنبت من الأَرْض))([3]). و(القريعاء) من أصل (قَرَع) بِالتَّحْرِيكِ: وهوَ أَنْ يَكُونَ في الْأَرْضِ ذَات الكَلأ مواضِع لا نباتَ بها، كالقَرَع في الرَّأْسِ: وهو ذهابُ شعر الرَّأس مِن داءٍ، ويقالُ رجُلٌ أقرَعُ وامرأةٌ قَرْعاءُ ونساءٌ قُرْعٌ، وكذلك يقال: أَصْبَحَتْ الرِّياضُ قُرعاً، أي: قد جَرَّدَتها المَواشِي فَلَمْ تَتْرك فِيهَا شَيْئًا من الكلأ، وَمَكَان أَقرَع: شَدِيد صُلب، وَجَمْعُه الأَقارع([4]).
قال الزمخشري: ((الصلع الحجر الأملس....))([5]) وذكر ابن الجوزي عن قول ابن الْأَنْبَارِي: ((الأَرْض الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا مثل الأَرْض الصلعاء))([6])، وقول ابن الأثير بأنَّ (الصُّلَيْعَاء) تَصْغِيرُ (الصَّلْعَاء) ([7]).والقُرَيعاء: أَرْضٌ لعنَها الله، إِذا أنْبتَتْ أَو زُرِع فِيهَا نَبَت في حافَتَيْها، وَلم يَنْبُت فِي مَتْنِها شَيْء.([8])
وذكر الشيخ الصدوق الحديث عن أبي جعفر (عليهالسلام) بسنده قال: ((... سأله الاعرابي عن الصليعاء والقريعاء وخير بقاع الأرض وشر بقاع الأرض فقال بعد أن أتاه جبرئيل فأخبره: أن الصليعاء الأرض السبخة التي لا تروي ولا تشبع مرعاها، والقريعاء الأرض التي لا تعطي بركتها ولا يخرج ينعها ولا يدرك ما أنفق فيها، وشر بقاع الأرض الأسواق.....))([9]). ولم ينسب الحديث الى الإمام علي (عليه السلام)، ولكن ذكر حديثاً له فيه لفظة (الصلعاء) يتبين معناها بحكم السياق التي وردت فيه، قال: ((لما أقبل أمير المؤمنين (عليهالسلام) من البصرة تلقاه أشراف الناس فهنؤوه وقالوا: إنّا نرجو أن يكون هذا الامر فيكم ولا ينازعكم فيه أحد أبدا فقال: هيهات ـ في كلام له ـ أنى ذلك ولما ترمون بالصلعاء قالوا: يا أمير المؤمنين وما الصلعاء؟ قال: تؤخذ أموالكم قسرا فلا تمنعون))([10]).أي: الداهية والأمر الشديد، كما قال الأزهري في تهذيبه([11]).
وخلاصة ما ورد في معنى صفة الأرض (الصليعاء والقريعاء) فـ((الصليعاء تصغير الصلعاء))([12]): وهي الارض التي لا تنبت، وتسمى الارض السبخة، والقريعاء. الارض التي لا تعطي بركتها ولا تخرج نبتها ولا يدرك ما أنفق فيها، ولكن في قوله: (أنى ذلك ولما ترمون بالصلعاء) فالصلعاء هنا تعني الداهية والأمر الشديد، وقد استعمل الإمام (عليه السلام) هذه الالفاظ في كتب غريب الحديث بدلالاتها المركزية وهي الفاظ مترادفة في وزنها، وايقاعها.)([13]).
الهوامش:
([1]) النهاية في غريب الحديث والاثر: 4/45.
([2]) مقاييس اللغة: (صلع)3/304.
([3]) ينظر: تهذيب اللغة: (صلع)2/21، وتاج العروس: (ص ل ع)21/353، والقاموس المحيط: (صلع)1/738.
([4]) ينظر: العين: (قرع)1/155، ولسان العرب: (قرع)7/262.
([5]) الفائق في غريب الحديث: 1/78.
([6]) غريب الحديث: ابن الجوزي: 1/601، وينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/47.
([7]) ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/47.
([8]) ينظر: م ن: 4/45، وبحار الأنوار: 9/281.
([9]) معاني الأخبار: 1/164، وينظر: مجمع البحرين: 4/360.
([10]) معاني الأخبار: 1/163.
([11]) ينظر: تهذيب اللغة: (صلع)2/21.
([12]) لسان العرب: 8/205، وهناك صفات كثيرة للأرض منها: جدعاء، وزيزاء. غريب الحديث: الخطابي: 2/16، 3/987.
([13]) مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص177-179.