بقلم: د. سعيد عكاب عبد العالي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطُفي من الخلق، وانتُجب من الورى، محمد وآله أُلي الفضل والنُّهى.
وبعد:
قَالَ ابنُ منظور في بَيانِ دِلالةِ لَفظةِ (آسِ): «وفِي حَدِيـــثِ عَلِيٍّ (عليه السَّلام): آسِ بَيْنَهم في اللَّحْظَة والنَّظْرة. وآسَيْت فُلَانًا بِمُصِيبَتِهِ إِذَا عَزَّيته، وذَلِكَ إِذَا ضَربْت له الأُسَا، وهُو أَنْ تَقُولَ لَهُ مَا لَك تَحْزَن»([1]).
الحَديثُ من كتابٍ لَه إلى بعضِ عُمَّالِهِ، وقد اختُلِفَ فيه، قالَ محمَّد تقيّ التُّستريّ: «المُرادُ بهِ مالكُ الأشترُ، ولم يتفطَّنْ لهُ ابنُ أَبِي الحديدِ وابنُ ميثم»([2])، ومعنَاه: أنَّ الإمَامَ(عليه السَّلام) أمره بالمُسَاواةِ مَعهُم حتَّى في اللّحظةِ والنَّظرةِ؛ لئِلَّا يَطمعَ العُظماءُ في حَيفهِ مع الرَّعيَّةِ، ولا يَيأسَ الضُّعفاءُ مِن عَدلِهِ عَليهم، ثُمَّ علَّلَ تِلكَ اللَّحظة بقوله: (فإنَّ اللهَ يُسائِلُكم...الخ) كَي لا يُظنَّ أنَّ عدمَ التَّسويةِ في اللَّحظـــةِ والنَّظـــرةِ مِمَّا لا يُعتنى بِه، ولا يُحاسبُ عليهِ([3]).
اسْتعملَ الإمامُ (عليه السَّلام) صِيغةَ فِعلِ الأمرِ(آسِ) للتَّعبيرِ عَن طَلبهِ، ويبدو لنا أنَّ الأمرَ قَدْ خَرجَ عَن مَعناهُ الحقيقيّ إلى مَعنى النُّصحِ والإرشَادِ؛ بِدلالةِ السِّياقِ، إذ وردَ بعدَ جُملةِ الأمْرِ قولهُ (عليه السَّلام): «فإنَّ اللهَ تَعالى يُسائلكم مَعشرَ عبادِهِ عَن الصَّغيرةِ مِن أعمالِكم والكبيرةِ، والظَّـاهرةِ والمَستُورةِ، فإنْ يُعـذِّبْ فأنتم أظلمُ، وإنْ يعـفُ فَهو أَكْرَمُ»([4])، وقولُ الإمامِ هذا أبلغُ غَاياتِ النُّصحِ والإرشادِ.)([5]).
الهوامش:
([1] ) لسان العرب(أسا): 14/35.
([2] ) بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: 7/599.
([3] ) ينظر: منهاج البراعة: 19/86.
([4] ) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 15/163.
([5]) لمزيد من الاطلاع ينظر: مرويات الامام علي عليه السلام في لسان العرب: سعيد عكاب عبد العالي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 151-152.