من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((سُلِّمَ)) في قوله عليه السلام: «وَوُدِّعَ وَسُلِّمَ»

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((سُلِّمَ)) في قوله عليه السلام: «وَوُدِّعَ وَسُلِّمَ»

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 15-08-2025

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:
تدلُّ مادَّة (سُلِّمَ) في اللُّغة على إلقاء الشَّيء، وتركه، وإيصاله، وتخليصه. قال الأَزهريّ: «يُقال: فلان مسلم، وفيه قولان: أَحدهما هو المستسلم لأَمر الله، والثــَّاني: هو المخلص لله العبادة، ومن قولهم: سَلَّم الشَّيء لفلان، أَيْ: خلَّصه، وسَلَّم له الشَّيء، أَيْ: خلَّص له» ([1]).
والإسلام: الاستسلام لأَمر الله، والانقياد لطاعته. ويقولون: سَلَّمْنا لله ربِّنا، أَيْ: استسلمنا له وأَسلمنا. وأَسلمتُ فلاناً: خذلته، وأَسلمتُ إليه ثوباً، وسَلَّمْتُ له وإليه، وكلُّ تارك لشيء، فهم مُسْلِمٌ له. وأَسَلَم الرَّجلُ بعد جنونه: إذا ترك ما كان عليه من جنون الشَّباب([2]).

وورد هذا الفعل (سُلِّمَ) مرَّةً واحدة في الخطبة مطابقاً دلالته اللُّغوية، جاء به أَمير المؤمنين (عليه السلام)  مبنيّاً للمجهول في بيان ما يحصل على الإنسان الميِّت بعد غسله، وتكفينه، وتشييعه، إذ قال (عليه السلام): «وغُمِّضَ ومُدِّدَ، وَوُجِّهَ وَجُرِّدَ، وَغُسِّلَ وَنُشِّفَ، وسُجِّيَ وَبُسِطَ لَهُ، وَهُيِّءَ وَنُشِرَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ، وَشُدَّ مِنْهُ ذَقْنُهُ، وَقُمِّصَ وعُمِّمَ، وَلُفَّ وَوُدِّعَ وَسُلِّمَ). فيُسَلَّم، أَيْ: يُترك بعد أَنْ يُشَبَّع لِمَنْ يَحملُه ليُصلَّى عليه.
ومجيء هذا الفعل (سُلِّمَ) في الخطبة مبنيّاً للمجهول لأَمرين. الأَوَّل: التَّركيز على الحدث، وهو تَرْكُ ذلك الإنسان بعد تشييعه لمَنْ يحمله، والثــَّاني: الجهل بِمَنْ سيتركه، ويلقيه.
و(سُلِّمَ) فعل ماضٍ مبنيٌّ للمجهول، مبنيٌّ على الفتح، ونائب الفاعل ضمير مستتر منه جوازاً، تقديره هو، عائد إلى (من جذبت نفسه). وجملة (وسُلِّمَ) معطوفة على جملة (وودِّع)([3]).

الهوامش:
([1]). تهذيب اللغة: 4/292.
([2]). ينظر: المحيط في اللغة: 2/265. وينظر: العين: 2/65، ومعجم مقاييس اللغة: 3/68، والصحاح في اللغة: 1/327و 328، ولسان العرب: 12/289، والمصباح المنير: 4/306.
([3]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص230-232.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.1114 Seconds