الامام أمير المؤمنين (عليه السلام)  وظاهرة الغلو

مقالات وبحوث

الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وظاهرة الغلو

6K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 29-05-2018

 

الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)  وظاهرة الغلو

الشيخ سجاد عبدالحليم الربيعي:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد:

من الظواهر المتطرفة التي عرفها التاريخ البشري ظاهرة الغلو, والغلو هو التجاوز عن القدر، والغالي هو الذي يتجاوز في أمر الدين عما عدل فالمبتدعة غلاة في الدين يتجاوزون في كتاب الله وسنة رسول الله (a) عن المعنى المراد فيحرفونه عن جهته[1].

 وهو ضد الاعتدال والتوازن، وتجاوز الحدود قد وقع فيه الإنسان منذ القديم في شتى المجالات، سواء الفكرية أو السلوكية، وسواء منها المجال العقيدي أو السياسي أو الاجتماعي.

قال أمير المؤمنين(عليه السلام):(وسيهلك فيّ صنفان: محبّ مفرط يذهب به الحبّ إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس فيَّ حالاً النمط الأوسط فالزموه، والزموا السواد الأعظم فإنّ يد الله مع الجماعة وإيّاكم والفرقة)[2].

كان علي(عليه السلام) يناجي ربَّه بهذا الدعاء كما يروي صاحب النهج: (اللّهم اغفر لي ما أنت أعلم به مّني فإن عُدْتُ فَعُدْ علي بالمغفرة» إلى آخر الدعاء)[3].

وللغلو مصاديق شتى، فهناك غلو في الاعتقاد وآخر في السلوك، فكل اعتقاد تمّ فيه تجاوز الحد فإنّه يمثل غلواً، فكما أنّ القول بربوبية مَنْ عدا الله فهو غلو[4]،  ومن مصاديقه أيضًا القول بعدالة ونزاهة كل صحابة النبي (a) هو غلو لأنّه تجاوز للحد أيضاً، أجل إنّ مستويات الغلو قد تتفاوات، وفي ضوء ما تقدم فإنّنا نجد أنّ بعض التيارات اللادينية قد تغالي في زعمائها أو في بعض مقولاتها، لأنّ الغلو تارة يكون بلحاظ الأشخاص وأخرى في المقولات نفسها. ألا ترى أن العلماني قد يغالي في قيمة الحرية إلى درجة تتجاوز معها كل القيم الأخرى ومنها القيم الأخلاقية والفضائل، أو حتى حقوق الناس.

يحدثنا القرآن عن أنّ أتباع الأديان السماوية السابقة قد غالوا في الأنبياء، ومنهم اليهود الذين قالوا بألوهية العزير ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ))[5] ، وأمّا المسيحية فكانت أكثر تقبلاً للغلو، فانتشرت فيها الأفكار المغالية في المسيح ((وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ))[6]  ، بل قالوا إنّه الله ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ))[7] .

 ومن هنا جاء الخطاب والنداء القرآني صريحاً إلى أهل الكتاب: ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ  إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ  فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ  وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ  انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ  إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ  سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَد لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ  وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا))[8].

إن مظهر الاعتدال في العقيدة تجاه المسيح هو ما عبّر عنه قوله تعالى: (( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ )) ومظهر الغلو في ذلك هو اعتقادهم أن المسيح هو الله أو أنّ الله ثالث ثلاثة. وكيف يكون إلها، والحال أنّه (( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ  كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ))[9], وآكل الطعام محتاج إلى الطعام فكيف يكون إلهاً مع أن الإله هو الغني؟ إن الأنبياء بأجمعهم لم يأمروا بالغلو بل كانوا متواضعين لله تعالى، قال تعالى: ((مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ ))[10].

 والغلو ممقوت أينما كان وحيثما كان وفي أي أمر كان، ولاسيّما في الدين، وقد نهى عنه الامام أمير المؤمنين (u) قال: (اللهم إني برئ من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهم اخذلهم أبداً، ولا تنصر منهما أحدا)[11]

وقال أمير المؤمنين - عليه السلام - : إياكم والغلو فينا قولوا: إنا عبيد مربوبون، وقولوا في فضلنا ما شئتم[12] .

 وقال (عليه السلام)   (احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدوهم، فإن الغلاة شر خلق الله يصغرون عظمة الله ويدعون الربوبية لعباد الله، والله إن الغلاة لشر من اليهود والنصاري والمجوس، والذين أشركوا)[13]

إن الغلاة قد ساهموا في تخريب الدين والتلاعب به وذلك من خلال أفكارهم المناقضة لأساس الدين، ومن هنا ورد في الحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام): الغلاة كفار، والمفوضة مشركون... وعنه (عليه السلام): من تجاوز بأمير المؤمنين (عليه السلام) العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين[14].

ويصور لنا الامام أمير المؤمنين(عليه السلام) الإسلام في حقيقته، حيث يضع محمداa وأهل بيته b وسائر الناس على مستوى واحد في العبودية للَّه ووجوب الإخلاص له والعمل بأمره ونهيه.

 

الهوامش:



[1] مجمع البحرين, الشيخ فخر الدين الطريحي, 5 /37 .

[2] ـ نهج البلاغة, خطبه 125 .

[3] ـ  نهج البلاغة , دعاؤه في التوبة وطلبها

[4] ـ ينظر: جواهر الكلام, الشيخ الجواهري, 6 /50 .

[5]  ـ  سورة التوبة: 30 .

[6] ـ سورة التوبة: 30 .

[7] ـ سورة المائدة: 17 .

[8] ـ سورة النساء: 171 .

[9] ـ سورة المائدة: 75.

[10]ـ  سورة آل عمران:79 .

[11]ـ  أمالي الطوسي المجلس 33 : 650 ح 1350 ، البحار 25 : 266 .

[12] ـ الخصال, الشيخ الصدوق,614 .

[13] الأمالي, الشيخ الطوسي,650 .

[14] ـ عيون أخبار الرضا ( ع ), الشيخ الصدوق, 2 /219 .

 

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.3848 Seconds