الباحث: محمد حمزة الخفاجي
الْحَمْدُ ِللهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ عَلى ما ألْهَمْ ، وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ مِنْ عُمُومِ نِعَم إبْتَدَأَها، وَسُبُوغِ آلاء أسْداها ، وَتَمامِ مِنَن والاها ..
وبعد..
فخُلق الإنسان للآخرة لا للدنيا وللفناء لا للبقاء هذا ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام)، لولده الإمام الحسن (عليه السلام)، في بعض وصاياه: ((اعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلآخِرَةِ لَا لِلدُّنْيَا، ولِلْفَنَاءِ لَا لِلْبَقَاءِ ولِلْمَوْتِ لَا لِلْحَيَاةِ، وأَنَّكَ فِي قُلْعَةٍ ودَارِ بُلْغَةٍ، وطَرِيقٍ إِلَى الآخِرَةِ، وأَنَّكَ طَرِيدُ الْمَوْتِ الَّذِي لَا يَنْجُو مِنْه هَارِبُه، ولَا يَفُوتُه طَالِبُه ولَا بُدَّ أَنَّه مُدْرِكُه فَكُنْ مِنْه عَلَى حَذَرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وأَنْتَ عَلَى حَالٍ سَيِّئَةٍ، قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ، فَيَحُولَ بَيْنَكَ وبَيْنَ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ))[1].
فلا مفر من الموت وقد قال سبحانه وتعالى في سورة الرحمن: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[2]، فكل الناس تموت وتفنى إلا وجه الله فهو باقٍ.
وليس الإنسان فقط بل كل المخلوقات تموت سواء كانوا من قبيل الملائكة أم الجن ام الحيوانات، وقد بين (عليه السلام) في بعض خطبه ان الله سبحانه ألزم على نفسه أن لا يجعل جسد فيه روح إلا وقبض تلك الروح قال (عليه السلام): « و وَأَى عَلَى نَفْسِه أَلَّا يَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا أَوْلَجَ فِيه الرُّوحَ، إِلَّا وجَعَلَ الْحِمَامَ مَوْعِدَه والْفَنَاءَ غَايَتَه » [3].
لذا لا بد للإنسان أن يتهيأ الى آخرته ويتزود بالتقوى والأعمال الصالحة كي ينجو من عذاب الأخرة لأن الموت ملاحقه لذا على الواعي ان يكون على حذرٍ منه.
ومن خطبة له (عليه السلام) قال فيها: « فَلَوْ أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إِلَى الْبَقَاءِ سُلَّماً أَوْ لِدَفْعِ الْمَوْتِ سَبِيلًا، لَكَانَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ (عليه السلام) الَّذِي سُخِّرَ لَه مُلْكُ الْجِنِّ والإِنْسِ، مَعَ النُّبُوَّةِ وعَظِيمِ الزُّلْفَةِ، فَلَمَّا اسْتَوْفَى طُعْمَتَه واسْتَكْمَلَ مُدَّتَه، رَمَتْه قِسِيُّ الْفَنَاءِ بِنِبَالِ الْمَوْتِ، وأَصْبَحَتِ الدِّيَارُ مِنْه خَالِيَةً، والْمَسَاكِنُ مُعَطَّلَةً ووَرِثَهَا قَوْمٌ آخَرُونَ »[4].
يقول الإمام (عليه السلام) لو كان الموت يُدفع أو ينجو منه أحد لكان سليمان (عليه السلام)، فهو أولى من غيره إذ سخر له سبحانه الرياح والأشجار والجن والإنس والشياطين، ولكنه بالرغم من ذلك أدركه الموت، ولم يحجز بينه وبين الموت لا جن ولا انس ولا ذلك الملك الذي أُعطِيَ إليه ولم يأخذ من ملكه سوى ذلك الكفن.
روى الأعمش عن خثيمة قال: «دخل ملك الموت على سليمان بن داود (عليهما السلام) فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر اليه، فلما خرج قال الرجل: من هذا قال: هذا ملك الموت، قال: لقد رأيته ينظر الىّ كأنه يريدني، قال (عليه السّلام): فما ذا تريد قال: أريد أن تخلصني منه فتأمر الريح حتّى تحملني إلى أقصى الهند، ففعلت الرّيح ذلك، ثمّ قال سليمان (عليه السّلام) لملك الموت بعد أن أتاه ثانيا: رأيتك تديم النظر إلى واحد من جلسائي، قال: نعم كنت أتعجّب منه، لأني كنت أمرت أن أقبضه بأقصى الهند في ساعة قريبة وكان عندك فتعجّبت من ذلك »[5].
فحتى ملك الموت يعجب لأمر الله (عز وجل) فلا يعلم الغيب الا هو سبحانه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[6].
وفي الختام نسال الله حسن العاقبة.
الهوامش:
[1] - نهج البلاغة، من وصية له (عليه السلام)، لولده الحسن، ص400.
[2] - الرحمن: 26 – 27.
[3] - نهج البلاغة، من الخطبة: 165، ص239.
[4] - نهج البلاغة، من الخطبة: 182، ص263.
[5] - إحياء علوم الدين، الغزالي، ج15، ص138.
[6] - سورة لقمان: 34.