الباحث: الشّيخ سجاد عبد الحليم الرّبيعي
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصَّلَاة والتَّسليم على طبيب نفوسنا وحبيب قلوبنا مُحَمّد (صلَّى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته وصحبه المنتجبين.
قال امير المؤمنين (عليه السلام) : (( فَبَادِرُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِ تَصْوِيحِ [1] نَبْتِهِ ))[2].
لا يخفى على المثقفين أن العلم مفتاح كل خير، لما له من أهمية كبيرة في الوصول إلى الكمال، فالإنسان العالم يرى الأمور غير الذي يراها الانسان الجاهل، لذا أكد الامام (عليه السلام) على أهمية العلم، وقال: (بادروا) والمبادرة تعني المسارعة والتعجيل لأهميته.
ولعل الإمام (عليه السلام) يقصد بالمبادرة هنا كناية عن ذهاب رونقه، أو عن اختفائه بفقدانه عليه السّلام[3] ، لأنه(عليه السلام) رافد أساسي للعلم الإلهي بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وعن طريق ذلك يؤكد على استثارة العلم وتهيجه واستخراجه من عند أهله ، وأراد بأهله نفسه الشريف، لذا يقول في مورد أخر من النهج:( مِنْ قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا بِأَنْفُسِكُمْ - عَنْ مُسْتَثَارِ الْعِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِه)[4]، نبه (عليه السلام) من عدم الانشغال بالامور الدنيوية التي تنتهي الى إطاعة الشيطان، لابد من أخذ المبادرة في تحصيل العلم وأخذه من منابعه السليمة، المتمثلة بمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.
ويمكن أن يحمل هذا النص المبارك إشارة إلى أنَّ طلب العلم وتحصيله منذ الصغر، والبكورة في العمر بصورة صحيحة كالنقش على الحجر أي يترسخ في الذهن ترسخا ثابتا ولا يمكن بعد ذلك زواله. كما في قوله تعالى ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم ﴾[5] ، أي الذين ثبتوا العلم ورسخوه .[6]
وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[7] وهذه الآية بإطلاقها تشمل جميع أنواع العلوم والمعارف .
ويقول رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في بيان منزلة العلماء: ( العلماء ورثة الأنبياء )[8] ، والمراد أنّ الأنبياء لم يكن من شأنهم وعاداتهم جمع الأموال والأسباب كما هو شأن أبناء الدنيا ، وهذا لا ينافي أن العلماء يرثون مقتضى ذلك.
ويكمن ذلك كما يبدو في قول رسول الله (صلى الله عليه واله) لأبي ذر (رضوان الله عليه) : ( يا أبا ذر فضل العلم خير من فضل العبادة ، واعلم أنكم لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ما ينفعكم ذلك إلا بورع ، يا أبا ذر إن أهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء اللَّه تعالى حقا )[9] .
وهنا لابد من الاشارة الى ان العلم والزهد موضوعان متقاربان جدا حيث نجد في حياة العماء السابقين رضوان الله عليهم ان اغلبهم كانوا زهادا في الدنيا حيث تفرغوا وتركوا كل ملذات الدنيا من اجل العلم وتعلمه وتعليمه لفائدة المجتمع حتى يسيروا المسار الناجح .
ولاشك في أنَّ أفضل العلوم التي ينبغي للمؤمنين السعي إليها، هو تحصيل العلوم الدينية؛ لأنها تعد من أفضل العلوم على الاطلاق، وهذا لا يعني أن بقية العلوم لا فائدة فيها ، إذ إن اثبات الشيء لا ينفي ما عداه ، بالعكس فان بعض العلوم ضرورية جدا لحياة الانسان واستقراره، ولكن العلوم الدينية افضلها واكثرها ثوابا بسبب انك في هذا المجال تنشر علوم النبي الأكرم وأهل بيته (صلوات الله عليهم اجمعين) والحفاظ على التراث الإسلامي بالوسائل المتيسّرة كافة، لتعميم المعرفة والوعي بين المجتمع، خصوصا إنَّ مجتمعنا متعطش لهذه العلوم التي تنقذهم من الجهل في دينهم ودنياهم، وتوجد روايات كثيرة حول ثواب هداية شخص واحد، فكيف بتغيير مجتمع كامل الذي يترتب عليه سعادة الدنيا والآخرة .
الهوامش:
[1] التصويح: التجفيف، واصله صوٌح النبت، اي اذا جف أعلاه، ينظر: لسان العرب، ابن منظور( ت:711 هـ)، 1405نشر أدب الحوزة:2 / 520 .
[2] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع ): 1 /203 .
[3] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الهاشمي الخوئي: 7 /250 .
[4] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع ): 1 /203 .
[5] سورة آل عمرآن، الآية: 7 .
[6] ينظر نهج البلاغة ، محمد جواد مغنية( ت: 1400 هـ)، ط1 ، 1427 مط ستار، انتشارات كلمة الحق:2 /114 .
[7] سورة آل عمران، الآية: 18.
[8] الكافي، الشيخ الكليني(ت: 329 هـ )، تحقيق : تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري، ط 5 1363 ش مط حيدري، دار الكتب الإسلامية – طهران:1/ 32 .
[9] بحار الأنوار، العلامة المجلسي(ت: 1111 هـ)، تحقيق : علي أكبر الغفاري، ط3 ، 1403 ، 1983 م، دار إحياء التراث العربي - بيروت – لبنان:74 / 87 .