واقعة الغدير إكمال الدين

فضائل الإمام علي عليه السلام

واقعة الغدير إكمال الدين

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 26-07-2016

واقعة الغدير

تعدّ واقعة الغدير من أهم الوقائع التاريخية في حياة الأمة الإسلامية، إذ قام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) خلالها وبعَد عودتة من حجّة الوداع والتوقّف في منطقة غدير خم بإبلاغ المسلمين بالأمر الإلهي الصادر بتنصيب علي بن أبي طالب (عليه السلام) إماماً للمسلمين وخليفة له (صلى الله عليه وآله وسلم عليهم)، التي انتهت بمبايعته (عليه السلام) من قبل كبار الصحابة وجميع الحجيج الحاضرين هناك, وهي كالآتي:

عزم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخروج إلى الحج في سنة عشر من مهاجره، وأذن في الناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير يأتمون به في حجته تلك التي يقال عليها حجة الوداع . وحجة الإسلام. وحجة البلاغ. وحجة الكمال. وحجة التمام (1) ولم يحج غيرها منذ هاجر إلى أن توفاه الله ، فخرج (صلى الله عليه وآله) من المدينة مغتسلاً متدهناً مترجلاً متجرداً في ثوبين صحاريين إزار ورداء، وذلك يوم السبت لخمس ليال أو ست بقين من ذي القعدة، وأخرج معه نساءه كلهن في الهوادج، وسار معه أهل بيته، وعامة - المهاجرين والأنصار، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء الناس( 2 ) .

وعند خروجه (صلى الله عليه وآله) أصاب الناس بالمدينة جدري (بضم الجيم وفتح الدال وبفتحهما) أو حصبة منعت كثيرا من الناس من الحج معه (صلى الله عليه وآله)، ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلا الله تعالى، وقد يقال: خرج معه تسعون ألف، ويقال: مائة ألف و أربعة عشر ألفا، وقيل : مائة ألف وعشرون ألفا ، وقيل : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، و يقال أكثر من ذلك، وهذه عدة من خرج معه ، وأما الذين حجوا معه فأكثر من ذلك كالمقيمين بمكة والذين أتوا من اليمن مع علي (أمير المؤمنين) وأبي موسى (3) .

أصبح (صلى الله عليه وآله) يوم الأحد بيلملم ، ثم راح فتعشى بشرف السيالة ، وصلى هناك المغرب والعشاء ، ثم صلى الصبح بعرق الظبية ، ثم نزل الروحاء ، ثم سار من الروحاء فصلى العصر بالمنصرف ، وصلى المغرب والعشاء بالمتعشى وتعشى به ، وصلى الصبح بالإثابة ، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج واحتجم بلحى جمل "وهو عقبة الجحفة" ونزل السقياء يوم الأربعاء ، وأصبح بالأبواء، وصلى هناك ثم راح من الأبواء ونزل يوم الجمعة الجحفة ، ومنها إلى قديد وسبت فيه، وكان يوم الأحد بعسفان ، ثم سار فلما كان بالغميم اعترض المشاة فصفوا صفوفا فشكوا إليه المشي، فقال: استعينوا باليسلان ((مشي سريع دون العدو)) ففعلوا فوجدوا لذلك راحة ، وكان يوم الاثنين بمر الظهران فلم يبرح حتى أمسى وغربت له الشمس بسرف فلم يصل المغرب حتى دخل مكة، ولما انتهى إلى الثنيتين بات بينهما فدخل مكة نهار الثلاثاء (4) .

فلما قضى مناسكه وانصرف راجعا إلى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات و وصل إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين ، و ذلك يوم الخميس (5) الثامن عشر من ذي الحجة نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} . الآية. 

وأمره أن يقيم علياً علماً للناس ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد ، وكان أوائل القوم قريبا من الجحفة فأمر رسول الله أن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهن أحد حتى إذا أخذ القوم منازلهم فقم ما تحتهن حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهن فصلى بالناس تحتهن، وكان يوما هاجرا يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء، وظلل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف (صلى الله عليه وآله) من صلاته قام خطيبا وسط القوم (6) على أقتاب الإبل (7) وأسمع الجميع، رافعاً عقيرته فقال:

الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله- أما بعد -: أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله ، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا، قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله ، و أن محمدا عبده ورسوله ، وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ؟ قالوا : بلى نشهد بذلك ، قال: اللهم اشهد، ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟ قالوا: نعم.

 قال: فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبصرى (8) فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين (9) فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله (عز وجل) و طرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وأن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يراد علي الحوض فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات ، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة : أربع مرات ثم قال : اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغايب، ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، الآية . 

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):  الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي، ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وممن هنأه في مقدم الصحابة: أبو بكر وعمر كل يقول: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، وقال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم، فقال حسان: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتا تسمعهن، فقال: قل على بركة الله، فقام حسان فقال: يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية (10) ثم قال:

يناد بهم يوم الغدير نبيهم        *********      بخمّ فاسمع بالرسول مناديا(11)

وعليه:

يتبين أن مناسبة واقعة الغدير كانت ولا تزال ذات أهمية عظيمة عند الله عز وجل, وعند رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام), وبقية المسلمين. 

الهوامش

1-  الذي نظنه (( وظن  الألمعي يقين)) أن الوجه في تسمية حجة الوداع بالبلاغ هو نزول قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ }, الآية ما ان الوجه في تسميتها بالتمام والكمال و نزول قوله سبحانه: : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}, الآية.

2- الطبقات لابن سعد ج3 ص225, إمتاع المقريزي ص150, إرشاد الساري ج6 ص429.

3-  السيرة الحلبية ج3 ص283, سيرة أحم زيني دحلان ج3 ص3, تاريخ الخلفاء لابن الجوزي في الجزء الرابع, تذكرة خواص الأمة ص18, دائرة المعارف لفريد وجدي ج3 ص542.

4- الامتاع للمقريزي ص315- 517.

5-  هو المنصوص عليه في لفظ الراء بن عازب وبعض آخر من رواة الحديث الغدير وسيوافيك كلامنا فيه ص41.

6- جاء في لفظ الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص156 وغيره

7- ثمار القلوب ص511 ومصادر أخرى كما مرت ص52.

8- الصنعاء: عاصمة اليمن اليوم. وبصرى: قصبة كورة حوران من أعمال دمشق.

9-الثقل, بفتح المثلثة والمثناة: كل شيء خطير نفيس.

10- شرح إحقاق الحق: 20/199.

11- إلى آخر الأبيات الآتية في ترجمة  حسان في شعراء القرن الاول في الجزء الثاني

( الغدير في الكتاب والسنة والادب ,العلامة الشيخ عبد الحسين أحمد الاميني, تقديم السيد كمال الحيدري, ج1, ص19-22). (بتصرف)

 

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2736 Seconds