الباحث: محمد حمزة الخفاجي
لم تكن لأمير المؤمنين (عليه السلام) فضيلة واحدة بل كانت له فضائل جَمَّةً شهد لها المؤمنون، وحتى حساده كانوا يتحدثون بفضائله وكراماته فمن كتاب له (عليه السلام) لمعاوية قال فيه: (.. ولَوْلَا مَا نَهَى اللَّه عَنْه مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَه، لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، ولَا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ)[1].
فسبقه في الجهاد وإيمانه وتضحيته صار أمير المؤمنين (عليه السلام) فخرا لنا فما من معضلة إلا وكان لها أبو الحسن (عليه السلام).
ومن أشعار الإمام الحسين يوم عاشوراء قال (عليه السلام):
أنا ابن علي الخير من آل هاشم كفاني بهذا مفخراً حين أفخر([2]).
فالإمام الحسين (عليه السلام) الذي هو فخر الدين وعزه يفتخر بأنه ابن علي (عليه السلام)، فلو أحصينا فضائله كسبقه للإسلام ومؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له وغيرها لما وصلنا إلى عددها، إلا أن هنالك فضيلة واحدة تعادل كل الفضائل ذلك حينما جعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) كنفسه، عندما باهل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهل نجران بأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قال تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }[3].
فقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (تعالوا ندع أبناءنا وابناءكم) قال: الحسن والحسين (ونساءنا ونساءكم) قال: فاطمة (وأنفسنا وأنفسكم) قال: علي عليه السلام([4])، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) خاتم الرسل وسيد الخلائق فنفسه الشريفة أعظم الأنفس وأشرفها على الله من جميع الناس فحينما يكون علي (عليه السلام) نفس محمد (صلى الله عليه وآله) فقد صار علي سيد الخلائق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ فاق منازل الأنبياء والأوصياء وهذا ما بينه الإمام الرضا (عليه السلام) حينما سأله المأمون عن أكبر فضيلة لعلي (عليه السلام) فقال المأمون يوما للرضا (عليه السلام): أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) يدل عليها القرآن الكريم قال: فقال له الرضا (عليه السلام): فضيلته في المباهلة قال الله جل جلاله: { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }([5])، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما السلام) فكانا ابنيه ودعا فاطمة (عليها السلام) فكانت في هذا الموضع نساءه ودعا أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان نفسه بحكم الله (عز وجل)، وقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجل من رسول الله (صلى الله عليه وله) وأفضل فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله (صلى الله عليه وله) بحكم الله عز وجل، قال: فقال له المأمون: أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله (صلى الله عليه وله) ابنيه خاصة وذكر النساء بلفظ الجمع وإنما دعا رسول الله (صلى الله عليه وله) ابنته وحدها، فلم لا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين (عليه السلام) ما ذكرت من الفضل ؟ قال: فقال له الرضا (عليه السلام): ليس بصحيح ما ذكرت ... وذلك أن الداعي إنا يكون داعيا لغيره كما يكون الآمر آمرا لغيره ولا يصح أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة، وإذا لم يدع رسول الله (صلى الله عليه وله) رجلا في المباهلة إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه وجعل حكمه ذلك في تنزيله، قال، فقال المأمون، إذا ورد الجواب سقط السؤال([6]).
ومن الروايات الأخرى التي تؤكد أن علي (عليه السلام) نفس النبي (صلى الله عليه وآله) ما روي عن الإمام علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له: (... يا علي من قتلك فقد قتلني ومن أبغضك فقد أبغضني ومن سبك فقد سبني لأنك مني كنفسي روحك من روحي وطينتك من طينتي، إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك واصطفاني وإياك واختارني للنبوة واختارك للإمامة ومن أنكر إمامتك فقد أنكرني نبوتي يا علي أنت وصيي وأبو ولدي وزوج ابنتي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي أمرك أمري ونهيك نهيّ أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إنك لحجة الله على خلقه وأمينه على سره وخليفته على عباده)[7].
والنتيجة يبينها لنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديث السابق بأنه (عليه السلام) روحه كروح النبي وطينة كطينته لذا قرنه بنفسه إذ أنهم من معدن واحد ونور واحد، اصطفاهم الله قبل الخلائق وجعلهم حججه على خلقه من أحبهم أحب الله ومن أبغضهم أبغض الله.
الهوامش:
[1] - نهج البلاغة، تـحـ (صبحي الصالح)، الكتاب: 28.
[2] - مقتل الإمام الحسين، هامش، ص196.
[3] - آل عمران: 61.
[4] - تفسير فرات الكوفي،
[5] - آل عمران: 61.
[6] - الفصول المختارة، الشيخ المفيد، ص38.
[7] - فضائل الأشهر الثلاثة، الشيخ الصدوق، ص79.