الباحث: م.م. عمار حسن عبد الزهرة الخزاعي
ترجمته:
هو ((حَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ))([1]) من القوم الذين يقال لهم بنو مغالة ومغالة أم عدى بن مالك بن النجار([2])، شاعر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يُكنى أبا عبد الرحمن، وهناك من قال: أبا الوليد وأبا الحسام([3])، وأمُّه الفريعة بنت خَالِد بْن خنس بْن لوذان بْن عبد ود بْن زيد بْن ثعلبة بْن الخزرج بْن كعب بْن ساعدة الأنصارية([4])، أدركت الإسلام فأسلمت وبايعت([5])، كان أبوه ثابت وجدّه المُنذر بن حَرام من أشراف الخرجيين ومشيايخهم([6])، وهو من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام([7])
حياته قبل الإسلام:
كان حسان بن ثابت ينتمي إلى الطائفة اليهودية في المدينة قبل أن يسلم([8])، وكان يفد على ملوك الغساسنة وملوك الحيرة قبل الإسلام، وله فيهم مدائح كثيرة مشهورة([9])، مع ميل واضح لبلاط جلّق، فكان يتكسب بالشعر([10]) وذلك من خلال مدحه للملوك والسلاطين فيقابلونه بالهدايا والعطايا، وقد أدرك النابغة الذبياني، وأنشده من شعره، وأنشد الأعشى وكلاهما قَالَ له: إنك شاعر([11])، عاش في الجاهلية ستين عاماً([12]) .
حياته مع النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
اعتنق حسان بن ثابت الإسلام بعد الهجرة النبوية مباشرة([13])، وقد لزم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتَّى لُقِّب بشاعر الرسول([14])
مشاركته في حروب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
أسلم حسَّان بن ثابت في أول هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلَّا أنَّه لم يشهد مع النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مشهداً واحداً([15])، لأنَّه كان جباناً([16])، وقد روت صفية بنت عبد المطلب حادثة تؤكِّد جبن حسَّان وهي ((أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ لما خرج إلى أحد، جعل نساءه في أطم يقال له فارع، وجعل معهن حسان بن ثابت. فكان حسان ينظر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا شد على المشركين شد معه وهو في الحصن، فإذا رجع رجع، وأنه قال: فجاء إنسان من اليهود فرقي في الحصن حتى أطل علينا، فقلت لحسان: قم فاقتله. فقال: ما ذاك فيّ، لو كان فيّ ذاك كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت صفية: فقمت إليه فضربته حتى قطعت رأسه، فلما طرحته قلت لحسان: قم إلى رأسه فاطرحه على اليهود وهم أسفل الحصن. فقال: والله ما ذاك فيّ. قالت: فأخذت رأسه فرميت به عليهم فقالوا: قد والله علمنا أن هذا لم يكن ليترك أهله خلوفاً ليس معهم أحد. قالت: فتفرقوا فذهبوا))([17]) .
دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لحسان بن ثابت:
ذكر المؤرخون أنَّ جمعاً من مشركي قريش كانوا يهجون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم: أَبُو سفيان بْن الحارث بْن عبد المطلب، وعبد اللَّه بْن الزبعري، وعمرو بْن العاص، وضرار بْن الخطاب([18])، فانبرى لهم حسَّان بن ثابت يدافع عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويذبُّ عن الإسلام، ولذلك دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحسَّان بن ثابت بمواطن متعددة، وقد روي الدعاء بصور مختلفة وبألفاظ متقاربة منها قوله: ((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُؤَيِّدُ حسان بِرُوحِ الْقُدُسِ مَا نَافَحَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ))([19])، وقوله: ((إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنْ الَّلهِ وَرَسُولِهِ))([20])، ومنها أنَّه كان يقول لحسَّان: ((اهجهم- يعني المشركين- وروح القدس معك. وإنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ قَالَ لحسان: اللَّهمّ أيده بروح القدس لمناضلته عن المسلمين))([21]) .
والمتمعن في دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوارد لحسَّان نجده جاء بصيغة الشرط، أي إنَّ دعاءه (صلى الله عليه وآله وسلم) لحسان كان مشروطا بمنافحته عن الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومناضلته عن المسلمين، ولم يكن دعاءً عامَّاً، ولذلك ينتفي هذا الدعاء بانتفاء شرطه .
مدائح حسَّان لأمير المؤمنين علي (عليه السلام):
لقد سجَّل حسَّان بن ثابت مناقب كثيرةً لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) في شعره، فكان يمدحه بأعذب الكلمات وأرصن التعابير، ومن مدائحه له (عليه السلام) قوله في حادثة التصدق بالخاتم:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي * وكل بطئ في الهوى ومسارع
أيذهب مدحي والمحبين ضايعا * وما المدح في جنب الإله بضايع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا * فدتك نفوس القوم يا خير راكع
فأنزل فيك الله خير ولاية * وبينها في محكمات الشرايع([22])
وكذلك قوله في نفس الحادثة:
وافى الصلاة مع الزكاة فقامها * والله يرحم عبده الصبارا
من ذا بخاتمه تصدق راكعا * وأسره في نفسه إسرارا
من كان بات على فراش محمد * ومحمد أسرى يؤم الغارا
من كان جبريل يقوم يمينه * يوما \\\\\\\\ وميكال يقوم يسارا
من كان في القرآن سمي مؤمنا \\\\\\\\ * في تسع آيات جعلن كبارا([23])
وفي قصيدة أخرى يقارن بين أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والوليد، ذلك بقوله:
أنزل الله \\\\\\\\والكتاب عزيز\\\\\\\\ ... في علي وفي الوليد قُرانا
فتبوَّا الوليد إذ ذاك فسقا ... وعلي مبوَّأٌ إيمانا
ليس من كان مؤمنًا \\\\\\\\عمرك اللـ ... ـه\\\\\\\\ كمن كان فاسقا خوَّانا
سوف يُدعَى الوليد بعد قليل ... وعلي إلى الحساب عيانا
فعلي يجزى بذاك جنانا ... ووليد يجزى بذاك هوانا
رب جد لعقبة بن أبان ... لابس في بلادنا تُبَّانا([24])
وأهم قصائده القصيدة المسمَّاة بالغديرية، وهي القصيدة التي ألقاها حسَّان في حادثة الغدير بعد تنصيب الإمام علي (عليه السلام) إماماً للأمة من لدن رسول (الله صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر من الله تعالى، وفي تلك الأثناء استأذن حسان من النبي في أن يقول شعراً في تلك الحادثة فكان من جملة ما قال:
يناديهم يومَ الغدير نبيُّهم بخُمٍّ وأسمع بالنبيِّ مناديا
بأنِّي مولاكم نعمْ ووليُّكم فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنتَ وليُّنا ولم تر منا في الولاية عاصيا
فقال له قم يا عليُّ فإنَّني رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليُّه فكونوا له أنصارَ صدقٍ مواليا
هناك دعا اللَّهمَّ والِ وليَّه وكُن للذي عادى عليَّاً معاديا([25])
وليت حسَّان استمرَّ على حاله هذه، فقد انقلب على عقبيه وتنكر لكلِّ ما قاله ولحق ببني أمية الذين هجاهم ونكَّل بهم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
موقف حسَّان بن ثابت من بيعة أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
تخلف حسَّان بن ثابت عن بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ([26]) مع عبد الله بن عمر ابن الخطاب ، وسعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة ، وحسان بن ثابت ، ولمَّا اعتزلوه وتوقفوا عن بيعته قام أمير المؤمنين (عليه السلام) فخطب قائلاً: ((أيها الناس ، إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وإنما الخيار إلى الناس قبل أن يبايعوا ، فإذا بايعوا فلا خيار لهم، وإن على الإمام الاستقامة، وعلى الرعية التسليم، وهذه بيعة عامة، من رغب عنها رغب عن دين الإسلام واتبع غير سبيل أهله، ولم تكن بيعتكم إياي فلتة ، وليس أمري وأمركم واحدا ، وإني أريدكم لله، وأنتم تريدونني لأنفسكم ، وأيم الله لأنصحن للخصم ، ولأنصفن المظلوم . وقد بلغني عن سعد وابن مسلمة وأسامة وعبد الله وحسان بن ثابت أمور كرهتها ، والحق بيني وبينهم))([27]) .
فأصبح أعمى البصيرة والقلب كما نصَّ على ذلك الصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة: ((يَا أعمى القلب والبصر، وَاللَّهِ لولا أن ألقي بين رهطي ورهطك حربا لضربت عنقك))([28])
[1]الهوامش:
([1]) مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354هـ)، حققه ووثقه وعلق عليه: مرزوق على ابراهيم، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع – المنصورة، الطبعة: الأولى 1411 هـ - 1991 م: 1/32 .
([2]) مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار1991 م: 1/32 ، معرفة الصحابة، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430هـ)، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة: الأولى 1419 هـ - 1998 م: 2/845 ، أسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ)، تحقيق: علي محمد معوض - عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1415هـ - 1994 م: 2/6 .
([3])مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الانصاري الرويفعى الإفريقى (المتوفى: 711هـ)، تحقيق: روحية النحاس، رياض عبد الحميد مراد، محمد مطيع، دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر، دمشق – سوريا، الطبعة: الأولى، 1402 هـ - 1984م: 6/289 – 290 .
([5])الإصابة في تمييز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى - 1415 هـ: 2/55
([10])معجم أعلام شعراء المدح النبوي، محمد أحمد درنيقة، تقديم: ياسين الأيوبي، دار ومكتبة الهلال، الطبعة: الأولى: 114
([11]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412 هـ - 1992 م: 1/251 .
([13]) الشعر والشعراء، ابن قتيبة، طبعة احمد محمد شاكر، (القاهرة) 1386ـ1387هـ ق/ 1966 - 1967م: 1/305 .
([19])تاريخ واسط، أسلم بن سهل بن أسلم بن حبيب الرزّاز الواسطي، أبو الحسن، بَحْشَل (المتوفى: 292هـ)، تحقيق: كوركيس عواد، عالم الكتب، بيروت، الطبعة: الأولى، 1406 هـ: 197
([20])معرفة الصحابة: 2/846 ، سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)، دار الحديث- القاهرة، الطبعة: 1427هـ-2006م: 2/117 .
([22])نظم درر السمطين، الشيخ محمد الزرندي الحنفي، (المتوفى : 750هـ)، الطبعة : الأولى، 1377 - 1958 م: 88
([23])شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي (المتوفى: 363هـ)، تحقيق : السيد محمد الحسيني الجلالي ،مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: 572 .
([25]) لقد أفاض العلامة الأميني صاحب كتاب الغدير بذكر المصادر التي روت هذه القصيدة، ولذلك أعرضنا عن ذكرها . ينظر: الغدير، الشيخ الأميني (المتوفَّى: 1392هـ)، دار الكتاب العربي - بيروت – لبنان، الطبعة : الرابعة، 1397هـ - 1977 م: 1/217 وما بعدها .