الباحث: علي عباس فاضل
يعد كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) البحر الزاخر بكل علم وفضل، إذ جمع فيه العلوم على اختلافها وتنوعها وتفرعها، واشتمل كلامه (عليه السلام) على معارف مختلفة، فأمير المؤمنين (عليه السلام) أبلغ الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد اتخذ اللغويون بعضًا من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) كموضع للاستشهاد في المسائل النحوية.
ومن ذلك ما ورد في كتاب التذييل والتكميل على شرح كتاب التسهيل لأبي حيان التوحيدي، إذ استشهد صاحب الشرح بكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في مواضع منها:
حذف اللام في الأسماء الستة، إذ إن هذه الأسماء يندر فيها حذف اللام، و(هن) من أكثرها تأتي محذوفة اللام على خلاف بقية الأسماء وهو من النادر الحسن[1]، وقد ذكر صاحب التذييل والتكميل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا الموضع ذلك بقوله: (من يطل هن أبيه ينطق به)[2]، فقد حذف لام (هن) وهو الأكثر فيها كما ذكر النحاة وعلى كثرته فيها إلا انهم عدّوه من النادر الحسن.
ومما استشهد صاحب كتاب التذييل والتكميل بكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في موضع اجتماع (أن، ولو) المصدريتان في قوله: (وقد اجتمعت \أن\ و \لو\ المصدريتان في قول علي [عليه السلام]: (ما كان عليك أن لو صمت لله أيامًا، وتصدقت بطائفة من طعامك محتسبًا)[3]، فقد اجتمعت (أن ولو) المصدريتان في الكلام، وقد أنكر الشارح أبو حيان التوحيدي بأن تكون (لو) في هذا القول مصدرية وإنما (أن) هي المصدرية وهي المخففة من الثقيلة[4].
وجاء في هذا الكتاب ذُكر كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (إن بسراً قد طلع اليمن)[5]، إذ أعمل (طلع) في التعدية وهي تعدية بالمعنى لتضمنه معنى (بلغ) لذا تعدى إلى المفعول[6]، ويتعدى الفعل اللازم اذا تضمن معنى فعل متعدٍّ[7]، وهذا ما سوغه النحويون على أساس القياس وقال بعضهم سماعا[8].
ومن المواضع التي جاءت في الكتاب الاستثناء بليس، إذ نقل عن الإمام (عليه السلام) قوله: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج من الخلاء يقرأ القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة)[9]، ولا يكون الاستثناء بـ(ليس) إلا بوجود ضمير فيها صريحا أو على تقدير[10]، ولا يكون فيها معني النفي[11].
وذكر التوحيدي في موضوع الفصل بالمنادى قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (أعْززُ عليَّ ـــ أبا اليَقظانِ ـــ أنْ أراكَ صَريعًا مُجَدَّلاً)[12]، ففي هذا الموضع خلاف نحوي إذ منع بعض النحويين الفصل، وأجازه بعض منهم وهو الرأي الأغلب فقد جاء من هذا الفصل في كلام الفصحاء من العرب، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) هنا حجة لا غبار عليها تسيغ جواز الفصل بالمنادي بين المتلازمات كالمبتدأ والخبر وبين الفعل والفاعل ومفعولهما.
ويظهر مما سبق أن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) على رغم حجيته في النحو العربي وغيره من العلوم إلا أن النحويين لم يتخذوه أساسا يبنون عليه قواعدهم إلا في موضع قليلة.
[1] - ينظر: شرح الكافية الشافية: 1/ 182 – 183، وينظر: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك: 1م 316.
[2] - التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل: 1/ 164.
[3]- المصدر نفسه: 3/ 160.
[4]- المصدر نفسه: 3/ 163.
[5]- ينظر: التذييل والتكميل: 7/ 13.
[6]- ينظر: التذييل والتكميل: 7/ 13.
[7]- ينظر: مغني اللبيب: 897، وينظر: شرح الأشموني: 1/ 449، وينظر: حاشية الصبان: 1/ 5.
-[8]ينظر: النحو الوافي: 2/ 170.
[9]- التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل: 8/ 330- 331.
[10] - ينظر: المقتضب: 4/ 428.
[11]- ينظر: معاني النحو: 2/ 271.
-[12] التذييل والتكميل: 10/ 211.