الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أفضل السلام وأتم التسليم، وبعد
يعد جويرية بن مسهِّر العبدي من وجوه صحابة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان الإمام (عليه السلام) يحبه حبا شديدا[1]، عربي من ربيعة كوفي، شهد مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بعض حروبه ، وردت فيه أحاديث دالة على مدحه وعظم شأنه ، ومنها ما يدل على حب أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال فيه العرني : ((كان جويرية بن مسهر العبدي صالحا وكان لعلي صديقا وكان على يحبه. ثم نقل عن علي (عليه السلام) ما يدل على حبه له وأنه كان موضع سره))[2].
وروى العرني أيضاً قال: سرنا مع عليٍّ ( عليه السلام ) يوماً فالتفت فإذا جويرية خلفه بعيداً ، فناداه : (يا جويرية إلحق بي لا أباً لك ، ألا تعلم أني أهواك وأحبك ؟ قال : فركض نحوه ، فقال له : إني محدثك بأمور فاحفظها ثم اشتركا في الحديث سراً فقال جويرية : يا أمير المؤمنين إني رجل نَسَّاء[3] ، فقال : إني أعيد عليك الحديث لتحفظه ، ثم قال له في آخر ما حدثه إياه : يا جويرية ، أحبب حبيبنا ما أحبنا فإذا أبغضنا فابغضه ، وابغض بغيضنا ما أبغضنا فإذا أحبنا فأحبه . وكان ناس في الكوفة يقولون: أتراه جعل جويرية وصيه كما يدعي هو من وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) له؟ وما ذلك إلا لشدة اختصاصه له)[4].
وكان من عيون شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وثقاته، ومؤذنه[5]، شاهد بعينه الكثير من معاجز أمير المؤمنين (عليه السلام) منها ما حصل مع الإمام علي (عليه السلام) والأسد، وهي عن لسان جويرية بن مسهر، قال: خرجت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) نحو بابل، لا ثالث لنا، فمضى وانا أسايره في السبخة، فإذا نحن بالأسد جاثما في الطريق، ولبوته خلفه، وأشبال لبوته خلفها، فكبحت دابتي لأتأخر، فقال: (أقدم يا جويرية ، فإنما هو كلب الله ، وما من دابة الا الله آخذ بناصيتها ، لا يكفي شرها الا هو ، وإذا انا بالأسد قد اقبل نحوه، يبصبص له بذنبه فدنا منه، فجعل يمسح قدمه بوجهه، ثم أنطقه الله عز وجل، فنطق بلسان طلق ذلق فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ووصي خاتم النبيين، قال : (وعليك السلام يا حيدرة، ما تسبيحك؟ قال: أقول: سبحان ربي، سبحان إلهي، سبحان من أوقع المهابة والمخافة في قلوب عباده مني ، سبحانه سبحانه فمضى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وانا معه ، واستمرت بنا السبخة ووافت العصر ، وأهوى من فوقها ، ثم قلت في نفسي مستخفيا : ويلك يا جويرية ، أأنت أضن أم أحرص؟ أم أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ وقد رأيت من أمر الأسد ما رأيت؟ فمضى وأنا معه، حتى قطع السبخة ، فثنى رجله ونزل عن دابته ، وتوجه فأذن مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم همس بشفتيه وأشار بيده، فإذا الشمس قد طلعت في موضعها من وقت العصر، وإذا لها صرير عند مسيرها في السماء، فصلى بنا العصر)[6].
كذلك كان احد الرواة لحديث رد الشمس لأمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: أقبلنا مع أمير المؤمنين من قتل الخوارج، حتى إذا قطعنا في أرض بابل وحضرت صلاة العصر، فنزل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ونزل الناس فقال : أيها الناس إن هذه أرض ملعونة ، قد عذبت في الدهر ثلاث مرات، وهي إحدى المؤتفكات، وهي أول أرض عبد فيها وثن، وأنه لا يحل لنبي ولا لوصي نبي أن يصلي فيها، فمن أراد أن يصلي فليصل[7].
وروي عنه، قال: لما توجهنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى صفين فبلغنا طفوف كربلاء وقف ناحية من العسكر، ثمّ نظر يميناً وشمالا واستعبر ثمّ قال: هذا والله مناخ ركابهم وموضع منيّتهم، فقيل له: يا أمير المؤمنين ما هذا الموضع؟ فقال: هذا كربلاء يقتل فيه قوم يدخلون الجنّة بغير حساب، ثمّ سار وكان الناس لا يعرفون تأويل ما قال حتّى كان من أمر الحسين بن علي (عليه السلام) وأصحابه بالطف ما كان[8].
أما وفاته وموضع قبره، فقد قال له أمير المؤمنين (عليه السلام) ((وأنت – والذي نفسي بيده - لتعتلن إلى العتل الزنيم ، وليقطعن يدك ورجلك ، ثم ليصلبنك تحت جذع كافر)) فمضى على ذلك الدهر حتى وفي زياد في أيام معاوية ، فقطع يده ورجله ثم صلبه إلى جذع ابن مكعبر، وكان جذعا طويلا فكان تحته[9].
وسبب شهادته، أن معاوية تتبع أصحاب علي عليه السلام تحت كل حجر ومدر، وأمر عامله زياد بن سمية - ابن أبيه - الذي ولع في دماء المسلمين أن يقتل جويرية بن مسهر، فأحضره زياد، وقطع يديه ورجليه وصلبه على جذع ، فاستشهد رحمة الله عليه . مرقده بخوزستان فرماط[10].
الهوامش:
[1] - ينظر: خصائص الأئمة، الشريف الرضي، هامش ص56.
[2] - وسائل الشيعة (الإسلامية)، الحر العاملي ج19 هامش ص340.
[3] - أي كثير النسيان.
[4] - تاريخ الكوفة: السيد البراقي، ص321.
[5] - مناقب آل أبي طالب: ج3 ص90.
[6] - مستدرك الوسائل: ميرزا حسين النوري الطبرسي ج3 ص341.
[7] - وسائل الشيعة : ج 5 ص180.
[8] - البحار 41: 286.
[9] - الإرشاد: الشيخ المفيد، ج1 ص323.
[10] شرح الأخبار: القاضي النعمان المغربي ج2 هامش ص450.