الباحث: عمار حسن الخزاعي
عبد الله بن بديل بن وَرْقَاء بْن عَبْد الْعُزَّى بْن مَازِن بْن عدي بْن عَمْرو بْن ربيعَة بْن حَارِثَة الخزاعي([1])، أسلم قبل الفتح وَكَانَ سيد خزاعة، وخزاعة عيبة رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله)، وَكَانَ لَهُ قدر وجلالة، وكان من وجوه أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)([2])، وهو من جلة التابعين ومشايخ مكة، شهد مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينًا وتبوكًا([3]) . وهو أحد الدُهاة الخمسة الذين كان يُضرب بهم المثل لشدَّة نباهتهم([4]) .
وأبوه بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جُزِيِّ بْنِ عامر بن مازن بن عدي بن عمرو بن ربيعة، كتب إليه النّبيّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله) يدعوه إِلَى الْإِسْلَام، وشهد بديل بْن ورقاء مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله) سبى هوازن من حنين إِلَى الجعرانة، واستعمله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم . ثمَّ بَعَثَهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله) إِلَى بني كعب يستفزونهم إِلَى عدوهم حين أراد أن يخرج إِلَى تبوك، وشهد بديل مع ولديه نافع وعبد الله مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله) تبوك وحنينا والطائف، وكان مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله) في حجة الوداع([5])، وعبد الله هو الجد الثالث لشاعر أهل البيت (عليهم السلام) دعبل بن علي الخزاعي([6]).
وكان لعبد الله بن بديل دور بارز في الفتوحات التي حدثت قبل تولي أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إدارة الدولة، إذ انتدبه عمر بن الخطاب في الذهاب إلى بلاد فارس، فذهب بجيش من أهل البصرة إلى أَصْبَهَانَ وَفِيهَا يَوْمَئِذٍ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ يُقَالُ لَهُ فاذوسبان الشَّيْخُ فَسَارَ فَحَاصَرَهُ حِصَارًا شَدِيدًا، وَخَذَلَ أَهْلُ أَصْبَهَانَ مَلِكَهُمْ فَلَمَّا رَأَى تَخَاذُلَهُمْ قَالَ الْمَلِكُ: إِنِّي خَارِجٌ وَلَاحِقٌ بكرمان، وبكرمان يَوْمَئِذٍ خورد بن شيرويه فَخَرَجَ إِلَى كرمان فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا، مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأُخْبِرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ فَلَحِقَ شَيْخًا كَبِيرًا فَلَمَّا رَآهُمُ الفادوسبان قَالَ: يَا هَذَا لَا تَقْتُلْ أَصْحَابِي فَإِنَّ أَصْحَابِي لَا يَقَعُ لَهُمْ سَهْمٌ وَلَكِنِ ابْرُزْ إِلَيَّ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ: «قَدْ أَنْصَفْتَ»، فَبَرَزَ لَهُ الشَّيْخُ فَحَمَلَ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: هَلْ لَكَ فِي الْمُعَاوَدَةِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «نَعَمْ»، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُقَاتِلَكَ إِنِّي أَرَاكَ رَجُلًا كَامِلًا وَلَكِنْ هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ أَنْ أَرْجِعَ مَعَكَ فَأُصَالِحَكَ وَأَفْتَحَ لَكَ الْمَدِينَةَ عَلَى أَنْ أُعْطِيَكَ الْخَرَاجَ وَتَحُلَّ عَنِّي؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَفَتَحَ لَهُ الْمَدِينَةَ عَلَى صُلْحٍ فَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ أَمِيرًا عَلَيْهَا عَامِلًا لِعُمَرَ حَتَّى قُتِلَ عمر وَاسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ بْنُ عفان .
ويبدو أنَّه لمَّا انسحب منها عبد الله بن بديل نقض أهل أصبهان العهد وَقَتَلُوا مَنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْعَرَبِ، وَكَانُوا مُقِيمِينَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ بَعَثَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ فَفَتَحَهَا([7])، وكان يُلقَّب فيها بـ (نَاصِب الْأَلْوِيَةِ وَالرَّايَاتِ)([8]).
ولمَّا استلم أمير المؤمنين (عليه السلام) إدارة الحكومة الإسلاميَّة كان عبد الله من السابقين إليه، إذ شارك معه في معركة صفِّين مع أخيه عبد الرحمن بن بديل، إذ جعله أمير المؤمنين (عليه السلام) أحد القادة في صفِّين فكان على الرجالة([9]) .
وحينما بدأت المعركة قام عَبْد اللَّهِ بْن بديل خطيبًا فِي أصحابه، فحمد الله وأثنى عَلَيْهِ، وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثمَّ قال: ((ألا إنَّ مُعَاوِيَة أدَّعى مَا ليس لَهُ، ونازع الأمر أهله، ومن ليس مثله، وجادل بالباطل ليدحض بِهِ الحق، وصال عليكم بالأحزاب والأعراب، وزين لهم الضلالة، وزرع فِي قلوبهم حب الفتنة، ولبس عليهم الأمر، وأنتم- والله- على الحق، على نور من ربكم وبرهان مبين، فقاتلوا الطغاة الجفاة، قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ... وتلا الآية . قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الأمر أهله، وقد قاتلتموهم مع رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وآله)، فو الله مَا هم فِي هَذِهِ بأزكى ولا أتقى ولا أبر، قوموا إِلَى عدو الله وعدوكم، رحمكم الله)).
فبرز عبد الله بن بديل وكان عَلَيْهِ درعان وسيفان، وَكَانَ يضرب أهل الشام ويقول:
لم يبق إلا الصبر والتوكل ... ثم التمشي فِي الرعيل الأول
مشى الجمالة فِي حياض المنهل ... والله يقضي مَا يشاء ويفعل
فلم يزل يضرب بسيفه حَتَّى انتهى إِلَى مُعَاوِيَة، فأزاله عَنْ موقفه، وأزال أصحابه الذين كانوا معه، وَكَانَ مع مُعَاوِيَة يومئذ عَبْد اللَّهِ بن عامر واقفًا، فأقبل أصحاب مُعَاوِيَة على ابْن بديل يرمونه بالحجارة حتى أثخنوه، واستشهد رحمه الله .
فأقبل إِلَيْهِ مُعَاوِيَة وعبد الله بْن عَامِر معه، فألقى عَلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر عمامته فغطَّى بها وجهه، وترحم عَلَيْهِ. فَقَالَ مُعَاوِيَة: اكشفوا عَنْ وجهه، فَقَالَ لَهُ ابْن عَامِر: والله لا يمثَّل بِهِ وفيَّ روح، وَقَالَ مُعَاوِيَة: اكشفوا عَنْ وجهه، فقد وهبناه لك . ففعلوا، فَقَالَ مُعَاوِيَة: هَذَا كبش القوم ورب الكعبة، اللَّهمّ أظفر بالأشتر، والأشعث بْن قَيْس، والله مَا مثل هَذَا إلا كما قال الشاعر:
أخو الحرب إن عضت بِهِ الحرب عضها ... وإن شمرت يومًا بِهِ الحرب شمرا
كليث هزبرٍ كَانَ يحمي ذماره ... رمته المنايا قصدها فتقطرا
ثم قَالَ مُعَاوِيَة، إن نساء خزاعة لو قدرت أن تقاتلني فضلًا عَنْ رجالها لفعلت([10])، وقد استُشهد عبد الله بين بديل (رحمه الله) في صفِّين غدرًا([11]) بعد أن كاد يصل إلى مركز الفتنة معاوية بن أبي سُفيان، فنال الشهادة بعد أن سطَّر أروع ملاحم البطولة والإباء، إذ آلى أن لا يرجع إلَّا برأس معاوية وكاد أن يفعل لولا الغدر الذي مُنيت به جماعة معاوية، فقد قاتل حتَّى لم يعد يبرز له أحد، وما كان من أهل الغدر إلَّا أن يرموه بالحجر ويقتلوه، ويكفي هذا البطل فخرًا أن يشهد بشجاعته عدوِّه والفضل ما شهدت به الأعداء .
الهوامش:
([1]) ينظر: الثقات، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354هـ)، طبع بإعانة: وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية، تحت مراقبة: الدكتور محمد عبد المعيد خان مدير دائرة المعارف العثمانية، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند، الطبعة: الأولى، 1393 ه = 1973م: 5/12
([2]) ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ): 3/872 .
([3]) ينظر: الطبقات الكبرى، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (المتوفى: 230هـ)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 هـ - 1990 م: 2/222 .
([4]) ينظر: تاريخ دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (المتوفى: 571هـ)، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415 هـ - 1995 م: 60/17 .
([5]) ينظر: الطبقات الكبرى: 2/221 – 222 ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 1/150 .
([6]) ينظر: تاريخ بغداد، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (المتوفى: 463هـ)، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي – بيروت، الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002 م: 9/370
([7]) تاريخ أصبهان أخبار أصبهان، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (المتوفى: 430هـ)، تحقيق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 هـ-1990م: 1/188 - 189 .
([8]) تاريخ أصبهان أخبار أصبهان: 1/68
([9]) الثقات: 2/289 .
([10]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 3/80 – 81 .
([11]) الطبقات الكبرى: 2/222 ، مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354هـ)، حققه ووثقه وعلق عليه: مرزوق على ابراهيم، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع – المنصورة، الطبعة: الأولى 1411 هـ - 1991 م: 1/135 ، المؤتَلِف والمختَلِف، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار البغدادي الدارقطني (المتوفى: 385هـ)، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، دار الغرب الإسلامي – بيروت، الطبعة: الأولى، 1406هـ - 1986م: 1/489 ،