كيف قرأ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حياة السلف ومكونهم الفكري خلال حياته. الحلقة الأولى

علي ومعاصروه

كيف قرأ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حياة السلف ومكونهم الفكري خلال حياته. الحلقة الأولى

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 24-12-2018

كيف قرأ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حياة السلف ومكونهم الفكري خلال حياته.

 

الباحث: السيد نبيل الحسني الكربلائي

 

قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم تساؤلٌ حول السبب الذي دفعنا لاختيار شخصية أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في معرفة المكون الفكري لحياة السلف ومشروع بعض رموز الصحابة الفكري من دون غيره كأبي بكر وعمر وعثمان؟ والجواب: أولاً لكونهم تصدوا لإدارة أمور المسلمين وشؤونهم من خلال الجلوس على كرسي الخلافة؛ ومن ثم فقد اتخذوا إجراءات عديدة في خلق واقع جديد.

 

ثانياً: إننا لم نعثر على قراءة منطقية وصادقة وتشخيصية لهؤلاء الرموز من الصحابة تظهر تقييمهم للمجتمع المسلم من جهة، ومن جهة أخرى تظهر تفاصيل حياة المجتمع العربي منذ أن بُعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتشكيل اللبنات الأولى لهذا الصرح العظيم إلى تطور مشروع الأمة ونظام الدولة والقيادة في الحقبة المدنية وانتهاءً بظهور الإسلام على ما جاوره من أمم عرفت بحضاراتها وشأنيتها وهيمنتها على الجزيرة العربية هيمنة عسكرية وعقدية كانت الوثنية وجذورها السمة الأبرز فيها لما توافد على مكة وما حولها من اعتقادات كانت الميثولوجيا العالمية فيها متغلغلة حتى باتت مكة محطة لتلقي تلك الميثولوجيا وما نتج عنها من تفاعلات نفسية وتصورات ذهنية فاقت بعددها ما كان لدى بلاد النهرين وأرض الكنانة، ومن ثم فنحن بحاجة إلى قراءة لهذا الواقع النفسي والعقدي والاجتماعي وهو ما ظهر عند أمير المؤمنين (عليه السلام).

 

ثالثاً: لم يتعرض أحد من الصحابة لما تعرض له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الأمة من متغيرات فكرية كونت معها معتقدات دينية وصل بعضها إلى إعلان الحرب عليه جهاراً لينتهي الأمر بتكفيره وقتله من خوارج الأمة، ومن ثم اختتام حياته الطاهرة مخضباً بدمه في محراب بيت الله في أثناء الصلاة في مسجد الكوفة.

 

رابعاً: قد دلت النصوص التاريخية والحديثية على اختصاصه بحياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ أن قدر الله تعالى له أن يولد في بيت الله الحرام داخل الكعبة المشرفة، وتولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرعايته وتربيته منذ ولادته إلى أن توفي صلى الله عليه وآله وسلم. ولقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يصرح بهذه الشأنية النبوية والخصوصية الرسالية التي خصها به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان يفاخر ويجاهر بذلك أمام الصحابة والناس مذكراً إياهم بما اصطفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بين الصحابة، فيقول (عليه السلام):

(وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ، يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه، ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه، ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ ...).

 

وقال في الخطبة الموسومة بالقاصعة:

(ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه صلى الله عليه وآله وسلم فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذِه الرَّنَّةُ، فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ).

 

وقال علي (عليه الصلاة والسلام):

 

(ولَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللَّه ولَا عَلَى رَسُولِه سَاعَةً قَطُّ، ولَقَدْ وَاسَيْتُه بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الأَبْطَالُ وتَتَأَخَّرُ فِيهَا الأَقْدَامُ نَجْدَةً أَكْرَمَنِي اللَّه بِهَا، ولَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وإِنَّ رَأْسَه لَعَلَى صَدْرِي، ولَقَدْ سَالَتْ نَفْسُه فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي، ولَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه صلى الله عليه وآله وسلم والْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي فَضَجَّتِ الدَّارُ والأَفْنِيَةُ مَلأٌ يَهْبِطُ ومَلأٌ يَعْرُجُ ومَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْه حَتَّى وَارَيْنَاه فِي ضَرِيحِه، فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِه مِنِّي حَيّاً ومَيِّتاً فَانْفُذُوا عَلَى بَصَائِرِكُمْ ولْتَصْدُقْ نِيَّاتُكُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّكُمْ فَوَالَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ وإِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ الْبَاطِلِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وأَسْتَغْفِرُ اللَّه لِي ولَكُمْ).

 

وعليه:

 

فهذه الملازمة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وما كان له من العلاقة مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس، وما شهده من تحولات في الأمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وغيرها من العوامل التي شكلت بمجموعها منظومة معرفية عن حال الأمة وعوامل ترديها وعوامل تقدمها، فكانت قراءته صلوات الله وسلامه عليه لكل ذلك قد مكنته من تقديم مشروعه التعريفي بالدين الذي اختاره الله تعالى لرسوله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

 

أما مرتكزات قراءته (عليه السلام) لحياة السلف فسنعرض لها في القادم إن شاء الله

 

... يتبع ...

 

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2895 Seconds