عمَّار حسن الخزاعي
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين...
السَّيِّدُ الْحِمْيَرِيُّ، هُوَ أَبُو هَاشِمٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رَبَيْعَةَ، وَجَدُّهُ هَذَا هُوَ يَزِيدُ بْنُ مُفَرِّغٍ الْحِمْيَرِيُّ الشَّاعِرُ([1])، وكان السيِّد الحميري من المتمسِّكين بعقيدته وبحبِّه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)([2])، وهو شَاعِرٌ مُحْسِنٌ، بَدِيعَ الْقَوْلِ، لَهُ مَدَائِحُ جَمَّةٌ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ (عَلَيْهِمُ السَّلامُ)، وَكَانَ مُقِيمًا بِالْبَصْرَةِ، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ. وَقِيلَ: إنَّ أَبَوَيهُ كانا يُبْغِضَانِ عَلِيَّا (عليه السلام) فَسَمِعَهُمَا يَسُبَّانَهُ بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ بُكْرَةً بِالْبَصْرَةِ، وكان ينزعج لذلك فيهجوهما بشعره، ونُقل عنه أنَّه كان يقول: ((كُنْتُ صَبِيًّا فَإِذَا سَمِعْتُ أَبَوَيَّ يَسُبَّانِ عَلِيًّا خَرَجْتُ عَنْهُمَا فَأَبْقَى جَائِعًا، فَإِذَا أَجْهَدَنِي الْجُوعُ جِئْتُ فَأَكَلْتُ، فَلَمَّا كَبُرْتُ قَلَيْلا قُلْتُ الشِّعْرَ، وَخَرَجْتُ عَنْهُمَا فَتَوَعَّدَانِي بِالْقَتْلِ .
أمَّا عقيدة السيِّد الحميري فقد قالوا بأنَّه كان على عقيدة الكيسانية التي تؤمن بإمامة محمَّد بن الحنفيَّة حتَّى اجْتَمَعَ بِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ (عليه السَّلام)، فَعَرَّفَهُ خَطَأَهُ، وَأَنَّهُ عَلَى ضَلالَةٍ فَرَجَعَ وَأَنَابَ([3])، وكان السيِّد الحميري يقول بالرجعة، فقال له رجل: بلغني أنك تقول بالرجعة، قال: هو ما بلغك، قال: فأعطني ديناراً بمائة دينار إلى الرجعة، فقال له السيد: على أن توثق لي بمن يضمن أنَّك ترجع إنساناً، أخاف أن ترجع قرداً أو كلباً فيذهب مالي([4])، وسئل الفضل بن الربيع: أرأيت السيد الحميري؟ قال: نعم، عهدي به واقفاً بين يدي الرشيد، وقد رُفِع إليه أنَّه رافضي، فأجابه السيِّد الحميري: إن كان الرفض حبكم يا بني هاشم وتقديمكم على سائر الخلق فما أعتذر ولا أزول عنه، وإن كان غير ذلك فما أقول به([5]).
أمَّا شعره فقد جُمِع له أَلْفَيْ قَصِيدَةٍ، هذا من حيث العدد أمَّا من حيث قوَّة النظم وجودة الشعر فقد قال فيه الشاعر بَشَّارُ بْنُ بُردٍ: لَوْلا أَنَّ اللَّهَ شَغَلَكَ بِمَدْحِ أَهْلِ الْبَيْتِ لافْتَقَرْنَا، وقد قيل لِلسَّيِّدِ الْحِمْيَرِيِّ: لِمَ لا تُدْخِلُ شِعْرَكَ الْغَرِيبَ؟ قَالَ: ذَاكَ عِيٌّ، وَتَكَلُّفٌ، وَقَدْ رَزَقَنِي اللَّهُ طَبْعًا وَاتِّسَاقًا فِي الْكَلامِ، فَأَنَا أَنْظِمُ مَا يَفْهَمُهُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ([6])، وقيل: ما هجا بني أمية أحد كما هجاهم يزيد ابن مفرغ والسيد الحميري([7])، وقيل: إنَّ أكثر الناس شعرًا في الجاهلية والإسلام ثلاثة: بشار وأبو العتاهية والسيد، فإنَّه لا يُعلم أنَّ أحدًا قدر على تحصيل شعر أحد منهم أجمع([8])، وكانت وفاته على الصحيح فِي سَنَةِ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ([9]).
فالسيِّد الحميري كان شاعرًا مجيدًا مبدعًا قد وطَّن شعره في خدمة أهل البيت (عليهم السلام)، فكان لا يغادر ذكرهم لسانه وخصوصًا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي ما فتئ ينظم في فضائله القصائد بأجمل الصور، ومن تلك الفضائل قضية الغدير التي ذكرها بأكثر من مرة في قصائده، ومن تلك القصائد قصيدته المسمَّاة (بالقصيدة المذهبة) التي يقول في مطلعها([10]):
هَلاّ وقفتَ على المكانِ المعشبِ بين الطويلعِ فاللِّوى من كَبْكَبِ
فنجادِ توضَح فالنضائدِ فالشَّظا فرياضِ سَنْحةَ فالنَّقا من جَوْنَبِ
إلى أن يقول:
وبخمَّ إذ قال الإلهُ بعَزمةٍ قُمْ يا محمدُ بالولايةِ فاخطُبِ
وانصُب أبا حسنٍ لقومك إنّه هادٍ وما بلّغتَ إن لم تَنْصُبِ
فدعاهُ ثم دعاهمُ فأقامهُ لهمُ فبينَ مصدِّقِ ومُكَذِّبِ
جعل الولايةَ بعدَه لمهذَّبٍ ما كان يَجعلها لغيرِ مهذَّبِ
وله مناقبُ لا تُرام متى يُرِدْ ساعٍ تَناوُلَ بعضِها بِتَذبذبِ
فالسيِّد الحميري يوثِّق حادثة الغدير في شعره، ويُصرِّح بفهمه منها وهو الولاية للأمَّة بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وكذلك يوثِّق استقبال المسلمين لهذه الحادثة ما بين مؤيِّد ومصدِّق وما بين مكذِّبٍ ورافضٍ لأمر الله ورسوله...
جعلنا الله وإيَّاكم من الملازمين لأمر الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله)
الهوامش:
([1]) تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام: 4/638، ينظر: فوات الوفيات: 1/188 – 190 .
([2]) المؤتَلِف والمختَلِف: 3/1308.
([3]) تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام: 4/638، ينظر: فوات الوفيات: 1/188 – 190 .
([4]) فوات الوفيات: 1/190 .
([5]) الوافي بالوفيات: 9/118.
([6]) تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام: 4/638، ينظر: فوات الوفيات: 1/188 – 190 .
([7]) فوات الوفيات: 1/189 .
([8]) الأعلام: 1/322 .
([9]) تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام: 4/638، ينظر: فوات الوفيات: 1/188 – 190 .
([10]) ديوان السيد الحميري: 37 – 47 .