آخر الصحابة عَامر بن وَاثِلَة الْكِنَانِي

علي ومعاصروه

آخر الصحابة عَامر بن وَاثِلَة الْكِنَانِي

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 22-06-2019

عمَّار حسن الخزاعي:
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين...
وهو أبو الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمر بن جحيش بن جزي بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن علي بن كنانة بن خزيمة([1])، ويُسمَّى عَمْرو بن وَاثِلَة الْكِنَانِي، والأول أشهر([2])، أدرك ثماني سنين من حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)([3])، وَلَهُ صحبة مع رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ)، وقد روى عَنه قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ حَدِيثًا، وكان الخوارج يذمونه باتصاله بعلي بْن أبي طالب وقوله بفضله وفضل أهله وليس برواياته بأس([4])، وكان محبًّا لعلي (عليه السلام)، وكان من أصحابه في مشاهده، وكان ثقة مأمونا مفضِّلًا لعليِّ (عليه السلام)([5])، نزل الكوفة، وورد المدائن في حياة حذيفة بْن اليمان، وبعد ذلك في صحبة عَلِيّ بْن أَبِي طالب (عليه السلام)، ثمَّ عاد إِلَى مكة فأقام بها حتى مات، وهو آخر من توفي من الصحابة([6]).
وهذا الصحابي الجليل نصَّت كتب التاريخ على أنَّه كان محبًّا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) مقدِّمًا إيَّاه على غيره، مواليًا له ولأهل بيته، وَكان ممَّن خرج مَعَ الْمُخْتَار طَالبًا بِدَم الْحُسَيْن (عليه السلام)، وَلما استقام أَمر مُعَاوِيَة لم يكن شَيْء أحب إِلَيْهِ من لِقَاء أبي الطُّفَيْل فَلم يزل يكاتبه ويلطف بِهِ حَتَّى أَتَاهُ فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ([7]) رحَّب بِهِ مُعَاوِيَة، فَقَالَ الْقَوْم: هَذَا الَّذِي رَحبَتْ بِهِ هُوَ خَلِيل عَليّ بن أبي طَالب (عَلَيْهِ السَّلَام) وَفَارِس الْعرَاق وشاعرهم، وَلَقَد انضج أكبادنا وأحرق جلودنا بنبله وفضحنا بطعناته وضرباته، علام رَحبَتْ بِهِ وقربته مِنْك؟ فَهَل نسيت مَا جرى علينا يَوْم صفّين؟ وَلَقَد كدر علينا الْحيرَة وأفحش أعراضنا بِلِسَانِهِ وَصَارَ الْجَمَاعَة ينالون مِنْهُ وَمن عرضه، فَغَضب عَامر بن وَاثِلَة وَقَالَ يَا مُعَاوِيَة: مَا سبني هَؤُلَاءِ وَأَنَّهُمْ لأَقل من ذَلِك، وَمَا سبني غَيْرك، فَإِن لم تجزني من سبني وَإِلَّا حق عَليّ سبك وشتمك، فَقَالَ مُعَاوِيَة: هَذَا عمروبن الْعَاصِ ومروان بن الحكم وَسَعِيد بن الْعَاصِ، فَقَالَ عَمْرو بن وَاثِلَة: أما عمرو بن الْعَاصِ فأنطقته خِيَانَة أمه وَمَا أَتَت بِهِ من الزِّنَا، وَأمَّا مَرْوَان بن الحكم وَسَعِيد بن الْعَاصِ فأنطقتهما خِيَانَة الْحجاز، وَأما ابْن أَبِيه فَإِنَّهُ انطقته حَيَاته تهَامَة، وَأما ابْن اخيك فَوَهَبته لَك، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: يَا بن وَاثِلَة مَا أبقى لَك الدَّهْر من حبِّ عَليّ بن أبي طَالب (عَلَيْهِ السَّلَام)؟ قَالَ: كحبِّ الفاقد لأَخِيهَا وَزوجهَا وَوَلدهَا وَإِلَى الله تَعَالَى اشكو التَّقْصِير، فَقَالَ: مَا أبقى لَك الدَّهْر من الوجد عَلَيْهِ؟ قَالَ: كوجد الْعَجُوز المقلات، فَقَالَ مَا بلغ من بغضك لنا؟ قَالَ بغض آدم لإبليس لَعنه الله، ثمَّ بَكَى وَهُوَ يَقُول:
أيشتمني عَمْرو ومروان ضلة ... بِحكم ابْن هِنْد والشقي سعيد
وحول ابْن هِنْد سامرون كَأَنَّهُمْ ... إِذا مَا استقاموا للْحَدِيث قرود
يعضون من غيظ عَليّ أكفهم ... ودرؤك من لَا يستجيب شَدِيد
وما سبني إِلَّا ابْن هِنْد وإنني ... لتِلْك الَّتِي يسخو بهَا لنكود
كَمَا بلغت أَيَّام صفّين نَفسه ... تراقيها والشامتون شُهُود
فَلم يمنعوه والرماح تنوشه ... وَمَا قل حَرْب للسان عُقُود
وطارت بِعَمْرو فِي العجاج وسبطه ... ومروان من وَقع السيوف بعيد
وَمَا لسَعِيد غير همة نَفسه ... وعل الَّتِي نسخو بهَا فنعود
تخطفهم فِي الْحَرْب خطفًا كَأَنَّهُ ... وَقد ثار نقع لِلْقِتَالِ صفود
فَقَالَ مُعَاوِيَة: كَأَنَّك مِمَّن خذل عُثْمَان بن عفَّان يَوْم الدَّار، والشاهر علينا سَيْفك يَوْم صفّين؟ فَقَالَ عَمْرو بن وَاثِلَة: أما قَوْلك فِي قتل عُثْمَان وتركي نصرته؛ لأَنا رَأَيْنَاك وَأَنت ابْن عَمه ونازل بإزائه وَقد اسْتَغَاثَ بك فَتركت إجَابَته، وانت ابْن عَمه فهان علينا ذَلِك، وتربصت بِنَفْسِك عَنهُ فَزعًا من الْمنون، وَلَو أنَّك أظهرت فِي ذَلِك الْيَوْم مَا قد أعلنته الْيَوْم لما كنت تقعد هَذِه الْقعدَة، وَلَقَد كنت أول طريح لمُحَمد بن أبي بكر، وَرَأَيْت من خذله من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فوسعني مَا وسعهم، فَقَالَ مُعَاوِيَة أَلَيْسَ طلبتي بدمه نصْرَة لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن وَاثِلَة بِعُذْرِهِ فِي ذَلِك وَلَكِن يصيبك كَقَوْل عبيد حَيْثُ يَقُول:
فَإِن قتلت فَلَا تطلب بثائرتي ... وإن مَرضت فَلَا ألزمك عوادي
فَقَالَ الْقَوْم: اقتله يَا معاوية فقد أجلى نَفسه، فَقَالَ: كلَّا قد جعلت لَهُ الْأمان أخرجه أيُّها الْحَاجِب([8]).
وهكذا يتسامى صحابة أمير المؤمنين (عليه السلام) في استبسال الدفاع عن عقيدتهم بإمامهم (عليه السلام)، ولم ينثنوا حتَّى أمام سلطان الجور معاوية بن أبي سفيان.
الهوامش:
([1]) طبقات خليفة بن خياط: 488 ، أسد الغابة في معرفة الصحابة: 3/143.
([2]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 4/1696
([3]) مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار: 64
([4]) الكامل في ضعفاء الرجال: 6/161 .
([5]) الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 2/798 ، أسد الغابة في معرفة الصحابة: 3/143
([6]) تاريخ بغداد: 1/559
([7]) الوافي بالوفيات: 16/333
([8]) أخبار الوافدين من الرجال من أهل البصرة والكوفة على معاوية بن أبي سفيان: 25 – 28 .

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3388 Seconds