البَاحِث: سَلَام مَكّي خضَيّر الطَّائِيّ.
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الغرّ الميامين، واللّعن والدَّائم على أعدائِهم إلى قيامِ يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فإنَّ المروّة والكذب صفتان متناقضتان لا يجتمعان أبدًا، فالمروّة: هي من الصّفات الدينيَّة والأخلاقيَّة الحسنة، وفضيلة للنّفس بها يكون التّرفع عن الاشياء الدّنيئة والاحتشام عن مواقعة الأشياء القبيحة حذرًا من الذَّم والسّب الصَّادق.
وأمَّا الكذب: هو من الصّفات المنبوذة إسلاميًّا وأخلاقيًّا، وهو القول غير الصَّحيح أو غير المطابق لما عليه الأمر في نفسه، والكذوب هو متعود الكذب، والمقصود من هذه الكلمة بيان: أن (المروّة) و(التّعوّد للكذب) لا يجتمعان[1]، فروي عن أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (لا مروّة لكذوب)[2].
وهذا فإنَّ (الكذب) لما كان من الرَّذائل المستقبحة إذ كان مضادًا لمصلحة العالم، ولأنّه قد يوقع بالمكذوب عليه أمورًا مكروهة لا يكون شاعرًا بها فيكون ذلك سببًا منفرًا للطباع وعلة لاستقباح العرف والشّرع، وكان التّعود به يكسب النّفس ملكة متمكّنة من جوهرها بسببها يجترئ على التَّظاهر بلزوم القبيح وعدم التّخفّي بفعله واحتمال المكافحة بالذَّم والسَّب الصَّادق وعدم تصديق الخلق له في وجهه، واعلم أنَّ المروّة لما كانت من صفات الفرد المؤمن ومن الكمال الانساني، فكان ذلك الإيمان والكمال مستلزمين للأمر بترك مالا يجتمع معهما وهو (تعوّد الكذب)، وهذا مع ما اتفقت عليه كلمة النّبيِّين وتطابقت عليه مقالات الحكماء الرَّاسخين من قبح الكذب وذمّه ووجوب الرَّدع عنه بالعقوبة[3]، فروي: أنَّ النَّبيّ مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) قيل له: يا رسول الله المؤمن يكذب؟ قال (صلَّى الله عليه وآله): (لا، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[4])[5]، فإن كان الإنسان مؤمنًا وصاحب مروّة لا يقترب إلى الكذب وهذا ما نفهمه من كلام الله (عزَّ وجلّ) وكلام رَّسوله (صلَّى الله عليه وآله) في نفي صفة الكذب عن المؤمن.
نبذ الكذب وآثاره:
يُعدّ من الرَّذائل المستقبحة كما أشرنا آنفًا، وإنَّ ذمّه في الكتب الإلهية والسّنن الشرعية وبين أهل العالم أكثر من أَن يحصى، وذلك لما يترتَّب عليه من آثار تنعكس سلبًا على الفرد نفسه والمجتمع، فمن آثاره: أنَّه مضاد لمصلحة العالم وسبب من الأسباب الموجبة لخرابه[6]، وإنَّه من الأسباب التي تبعد الفرد عن الله (عزَّ ذكره)، ويورث الفقر لمن اعتاد عليه واستمر، فروي عن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (اعتياد الكذب يورث الفقر)[7].
فيجب على المؤمن الوقوف بوجه هذه الصفة وحدّها ومنعها من أن تسري في المجتمع الإسلامي، وهو من الأسباب التي تؤدي إلى حدوث المشاكل في المجتمع ويُعد أساسًا للنّفاق، فروي عن النَّبيّ مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه قال: (الكذب رأس النّفاق)[8]، وذلك لخروج الكاذب بسبب كذبه عن الصّدق الذي هو صنف من أصناف الورع والتديّن كخروج المنافق من ربقة الإيمان[9]، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾[10]، فمن أظلم ممّن كذب على الله (تعالى ذكره)، ويوم القيامة ترى الذين افتروا كذبوا على الله سبحانه وجوههم مسودة وبالجملة، ولو لم يكن فيه إلَّا ما ذكرناه لكان كافيًا في قبحه، فيكف وهو من أعظم الأسباب لحرمان الخير الدَّائم والنَّعيم في الآخرة...؟[11].
وفي الختام أن الحمدُ لله ربّ العالمين، نعوذ به سبحانه العليّ العظيم من نار جهنَّم ومن الكذب وجعلنا من الذين يتحلّون بالمروّة بحق سيِّدي ومولاي النَّبيّ مُحمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، وآله بيته الأطهار الميامين (عليهم السَّلَام)، واللّعن الدَّائِم على أعدائِهم إلى قيام يوم الدِّين...
الهوامش:
[1] ينظر: شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، ابن ميثم البحراني: 104-105.
[2] تحف العقول عن آل الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، ابن شعبة الحراني: 376.
[3] ينظر: شرح مئة كلمة لأَمير المؤمنين (عليه السَّلَام): 105-106.
[4] النَّحل: 105.
[5] بحار الأنوار، العلَّامة المجلسي: 69/263.
[6] ينظر: شرح مئة كلمة لأَمير المؤمنين (عليه السَّلَام): 106.
[7] بحار الأنوار، العلَّامة المجلسي: 69/261.
[8] شرح أصول الكافي، مولي محمد صالح المازندراني: 1/252.
[9] ينظر: شرح مئة كلمة لأَمير المؤمنين (عليه السَّلَام): 106.
[10] الأنعام: 21.
[11] ينظر: شرح مئة كلمة لأَمير المؤمنين (عليه السَّلَام): 106.