وآتيناه الإمامة صبيا
الباحث: محمد حمزة الخفاجي
اَلْحَمْدُ لله وَإِنْ أَتَى اَلدَّهْرُ بِالْخَطْبِ اَلْفَادِحِ وَ اَلْحَدَثِ اَلْجَلِيلِ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ . . .
وبعد . . .
ولد الإمام الجواد (عليه السلام) بالمدينة ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، ويقال للنصف من شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة[1].
ولما ولد قال الإمام الرضا (عليه السلام): (هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه)[2].
وأولاد الإمام الجواد (عليه السلام) هم علي الهادي (عليه السلام) وموسى وحكيمة وخديجة وأم كلثوم[3]. وقيل فاطمة وامامة[4].
ومن النصوص الواردة في إمامته (عليه السلام) ما روي عن ابن قياما قال: (دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وقد ولد له أبو جعفر (عليه السلام) فقال: ((إن الله قد وهب لي من يرثني ويرث آل داود))[5].
ومن الأمور العجيبة التي لم يستوعبها كثير من الناس أن الإمام الرضا (عليه السلام) أشار إليه وأوصى به وهو ابن ثلاثة سنين، فعن صفوان بن يحيى قال: (قُلْتُ لِلرِّضَا (عليه السلام) قَدْ كُنَّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنْ يَهَبَ الله لَكَ، أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَكُنْتَ تَقُولُ يَهَبُ الله لِي غُلَاماً فَقَدْ وَهَبَ الله لَكَ فَقَرَّ عُيُونُنَا فَلَا أَرَانَا اللَّه يَوْمَكَ فَإِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ فَأَشَارَ بِيَدِه إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) وهُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْه فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ قَالَ ومَا يَضُرُّه مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ قَدْ قَامَ عِيسَى (عليه السلام) بِالْحُجَّةِ وهُوَ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ)[6].
فآل البيت لا يقاسون بالناس إذ إن عقولهم وقلوبهم تختلف من حيث الفهم والعلم والادراك لذا اختارهم الله ان يكونوا موضع سره ومهبط وحيه كذلك الانبياء الذين سبقوهم في الدعوة.
وعن ابن أسباط قال: (خرج علي أبو جعفر عليه السلام فجعلت أنظر إليه وإلى رأسه ورجليه، لأصف قامته بمصر، فلما جلس قال : يا علي إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج في النبوة ، قال الله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}[7]، وقال: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ}[8]، {وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}[9]، فقد يجوز أن يؤتى الحكم صبيا، ويجوز أن يعطى وهو ابن أربعين سنة )[10].
وعن الخيراني عن أبيه قال: (كُنْتُ وَاقِفاً بَيْنَ يَدَيْ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام) بِخُرَاسَانَ فَقَالَ لَه قَائِلٌ يَا سَيِّدِي إِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ قَالَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ ابْنِي فَكَأَنَّ الْقَائِلَ اسْتَصْغَرَ سِنَّ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام) إِنَّ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى بَعَثَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولاً نَبِيّاً صَاحِبَ شَرِيعَةٍ مُبْتَدَأَةٍ فِي أَصْغَرَ مِنَ السِّنِّ الَّذِي فِيه أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام))[11].
فقد خص الله هؤلاء الطيبين بكرامات ومعجزات فهم لا يتغيرون ولا يخطأون ولا تصيبهم وساوس الشيطان صغارهم ككبارهم قد خصوا بالولاية دون الخلق ولا شك ان الله عادل في اختياره فهو {أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[12]، فهم ينظرون بنوره.
ومن الأمور التي يتألم لها القلب أن الإمام الجواد (عليه السلام) توفي وهو ابن خمس وعشرين سنة أي إنه في ريعان شبابه .
قال الكليني: (قُبِضَ (عليه السلام) سَنَةَ عِشْرِينَ ومِائَتَيْنِ فِي آخِرِ ذِي الْقَعْدَةِ وهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وعِشْرِينَ سَنَةً وشَهْرَيْنِ وثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً ودُفِنَ بِبَغْدَادَ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ عِنْدَ قَبْرِ جَدِّه مُوسَى (عليه السلام)) [13].
وكان السبب في مقتله أن زوجته أم الفضل عليها لعائن الله قد دست إليه السم بتحريض من عمها المعتصم (لعنه الله) فأدى ذلك إلى استشهاده.
روي ابن شهراشوب: (لما بويع المعتصم جعل يتفقد أحواله فكتب إلى عبد الملك الزيات أن ينفذ إليه التقي وأم الفضل، فأنفذ ابن الزيات علي بن يقطين إليه، فتجهز وخرج إلى بغداد فأكرمه وعظمه وأنفذ اشناس بالتحف إليه وإلى أم الفضل، ثم أنفذ إليه شراب حماض الأترج تحت ختمه على يدي اشناس، فقال : إن أمير المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي دواد وسعيد بن الخضيب وجماعة من المعروفين ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج ، وصنع في الحال ، وقال : اشربها بالليل ، قال : إنها تنفع باردا وقد ذاب الثلج ، وأصر على ذلك ، فشربها عالما بفعلهم)[14].
وبذلك قتل مولانا محمد الجواد على يد أخبث الخلق فعظم الله لنا ولكم الأجر بهذا المصاب الجلل، والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1] - بحار الأنوار: 50 / 2.
[2] - الإرشاد، الشيخ المفيد: 2 / 279.
[3] - ينظر المصدر السابق: 2 / 279.
[4] - ينظر المصدر السابق: 50 / 13.
[5] - بصائر الدرجات: 158.
[6] - الكافي: 1 / 383.
[7] - مريم: 12.
[8] - يوسف: 22، القصص: 14.
[9] - الاحقاف: 15.
[10] - الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي: 1 / 385.
[11] - الكافي: 1 / 322.
[12] - الأنعام: 124.
[13] - المصدر نفسه: 1 / 492.
[14] - مناقب آل ابي طالب: 3 / 491.