البَاحِث: سَلَام مَكِيّ خضَيّر الطَّائِي.
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين، واللّعن الدَّائم على أعدائِهم من الأوَّلين والآخرين، ما بقيت وبقي اللَّيل والنَّهار، إلى قيامِ يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فإنَّ المنزلة والدَّرجة التي أُعطيت لأمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) من الله تعالى، لا تضاهيها منزلة ودرجة أخرى سوى منزلة النَّبيّ مُحَمَّد (صلَّى الله تعالى عليه وآله) ودرجته، فإنَّهما (عليهما وعلى آلهما الصَّلَاة والسَّلَام)، متساويان في المرتبة نفسها والدّرجة عينها والرّفعة ذاتها، إلَّا أنَّ الفرق بينهما النّبوة والوصاية، فإنَّ كلّ مختصٍ بما خصَّه الله تعالى، فالنَّبيّ مُحَمَّد (صلَّى الله تعالى عليه وآله) خصَّه الله (سبحانه وتعالى) بالنّبوَّة، فهو (صلَّى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء وبه خُتِمت الرّسالة الرَّبَّانيَّة، وأمَّا ابن عمّه ووصيّه أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) خصَّه الله تعالى بالوصاية والولاية من بعد النَّبي مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)؛ ليكون الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، خليفة له؛ ليتولَّى أمر الأمة وأحوالها ويكمّل الدّعوة من بعد النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله).
فأكرم الله تعالى الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) وأعطاه من الفضل، كما أكرم وأعطى من الفضل النَّبي مُحَمَّد (صلَّى الله تعالى عليه وآله)، فروي عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السَّلَام) يَقُولُ: (أوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله): يا مُحَمَّد، أَنِّي خَلَقْتُكَ ولَمْ تَكُ شَيْئاً، ونَفَخْتُ فِيكَ مِنْ رُوحِي كَرَامَةً مِنِّي أَكْرَمْتُكَ بِهَا حِينَ أَوْجَبْتُ لَكَ الطَّاعَةَ عَلَى خَلْقِي جَمِيعاً، فَمَنْ أَطَاعَكَ فَقَدْ أَطَاعَنِي ومَنْ عَصَاكَ فَقَدْ عَصَانِي، وأَوْجَبْتُ ذَلِكَ فِي عَلِيٍّ وفِي نَسْلِه مِمَّنِ اخْتَصَصْتُه مِنْهُمْ لِنَفْسِي)[1]، فنلاحظ عن طريق هذه الرّواية أنَّهما (صلَّى الله عليهما وآلهما) في الدّرجة نفسها، وما أعطاه الله تعالى لنبيّه مُحَمَّد (صلَّى الله تعالى عليه وآله)، أعطاه نفسه لوصيّه أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، كفرض الطَّاعة ووجوبها على جميع الخلق، كما فرضت ووجبت الطَّاعة لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وليس ما تقدَّم فقط، بل فُرضت الطَّاعة والمولاة ووجبت على النَّاس من دون استثناء، لنسل وأبناء الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلام) الذين نصَّبهم الله ولاة وأئمَّة للبشريَّة، فقال الله تعالى في شأن الطَّاعة والولاية في محكم كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[2].
وإن حكم الطَّاعة للرَّسول (صلَّى الله عليه وآله) ولولي الأمر من بعده الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) والأئِمَّة الأطهار المنتجبين (عليهم السَّلَام) من ولده ممَّن اختصَّهم رسول الله تعالى (صلَّى الله تعالى عليه وآله) لنفسه، لا يقتصر فرضه وواجبه على النَّاس الذي عاصروهم، بل هو سائر على جميع الأمم السَّابقة واللَّاحقة مع أنبيائهم ورسلهم وأوصيائهم، وحتى على الملائكة المقرَّبين[3].
فكلّ الذين لم يمتثلوا لأمر الرَّسُول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله)، ولأمر وصيّه ووليه من بعده أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) والأئمَّة (عليهم السَّلَام) من بعده وعصوهم، مهما كانت درجة أحدهم، سواء كان نبي مرسل، أو ملك مقرَّب، أو صاحبي أوغير ذلك، فهؤلاء كما قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾[4]، وإنَّهم قد خالفوا القانون الإلهي في طاعة أولياء الله تعالى الذين لأجلهم خُلِق الكون بأسره.
وفي الختام نسأل الله تعالى أن لا يسلب منَّا نعمة ولاية النَّبيّ مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) وحبّه وطاعته، وكذلك أهل بيته وعترته الطَّيِّبين الطَّاهرين (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، وصلَّى الله تعالى على سيِّدنا ونبيّنا مُحَمَّد وآله المنتجبين والغرّ الميامين، ولعن الله تعالى أعدائهم من الأوَّلين وآخرين، إلى قيام يوم الدِّين...
الهوامش:
[1] المنهج القويم في تفضيل الصّراط المُستقيم عَلِيّ أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، على سائر الأنبياء والمرسلين، سوى نبيّنا (صلَّى الله عليه وآله) ذي الفضل العميم، مُهذَّب الدِّين أحمد بن عبد الرِّضا البصري: 143.
[2] النّساء: 59.
[3] يُنظر: المنهج القويم: 143.
[4] النّساء: 60.