الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله على قضائه وقدرته بما قدر وقضى، له ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده في كتاب، والصلاة والسلام على نبيه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
لَعظمة مصيبة أبي عبد الله (صلوات الله وسلامه عليه) لا تشبهها مصيبة ولا تدانيها رزية؛ ولا يمكننا المقايسة بين أحد على حدٍ سواء، وما جرى على غريب الطفوف (عليه السلام).
فقضية الإمام الحسين (عليه السلام) وما جرى من مصائب وويلات في أرض الطفوف تعد بحد ذاتها قضية عالمية كونية، ليس فقط على البشر؛ وإنما طرحت هذه المصيبة على جميع ما خلقه الله، فبكى على مصرع الإمام (عليه السلام) وتأسى بمصابه وأتخذ قضية الحسين وما جرى عليه أسوة يتأسى بها كل مخلوق خلقه الله (عز وجل).
والسبب في ذلك كون خروج الحسين (عليه السلام) شبه بخروج الإيمان كله إلى الشر والكفر كله كما خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) لمحاربة عمرو بن عبد ود العامري حيث قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): (خرج الإيمان كله الى الكفر كله)[1].
والسبب الآخر هو الذي ثار من أجله أبو الأحرار عليه السلام إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنّهما من مقومات الدين، والإمام بالدرجة الأُولى مسؤول عنهما.
وقد أدلى (عليه السلام) بذلك في وصيته لأخيه ابن الحنفية التي أعلن فيها عن أسباب خروجه على يزيد، فقال (عليه السلام): «إنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا ظالماً، ولا مفسداً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»[2]. وغيرها من الأسباب التي لا تسع لها هذه الصفحات.
ومن هذا المنطلق عندما عرض الله (عز وجل) للأنبياء والرسل والملائكة قضية الحسين (عليه السلام) وما سيجري على ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) تأسوا بمصرع أبي عبد الله (عليه السلام)، ومن هؤلاء الأنبياء نبي اسمه (إسماعيل بن حزقيل) غير نبي الله إسماعيل بن إبراهيم الخليل، ذكره الله عز وجل في محكم كتابه فقال: ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا))[3].
فعن بريد بن معاوية العجلي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يا بن رسول الله أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا)، أكان إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)، فإن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم، فقال (عليه السلام): إن إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإن إبراهيم كان حجة لله كلها قائما صاحب شريعة، فإلى من أرسل إسماعيل اذن؟ فقلت: جعلت فداك فمن كان. قال (عليه السلام): ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي (عليه السلام)، بعثه الله إلى قومه فكذبوه فقتلوه وسلخوا وجهه، فغضب الله له عليهم فوجه إليه اسطاطائيل ملك العذاب، فقال له: يا إسماعيل انا اسطاطائيل ملك العذاب وجهني إليك رب العزة لأعذب قومك بأنواع العذاب ان شئت، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك. فأوحى الله إليه فما حاجتك يا إسماعيل، فقال: يا رب انك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولأوصيائه بالولاية وأخبرت خير خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي (عليهما السلام) من بعد نبيها، وانك وعدت الحسين (عليه السلام) ان تكره إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا رب ان تكرني إلى الدنيا حتى انتقم ممن فعل ذلك بي كما تكر الحسين (عليه السلام)، فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك، فهو يكر مع الحسين (عليه السلام)[4].
وعن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((إن إسماعيل كان رسولا نبيا سلط الله عليه قومه فقشروا جلدة وجهه وفروة رأسه فأتاه رسول من عند رب العالمين، فقال له: ربك يقرئك السلام ويقول: قد رأيت ما صنع بك، وقد أمرني بطاعتك فمرني بما شئت، فقال: يكون لي بالحسين (عليه السلام) أسوة ))[5].
وعليه نرى أن هذا النبي (عليه السلام) قد تحمل كل هذا العذاب وما حل به من أضرار ومخاطر تؤدي بحياته في سبيل أنه تأسى بالحسين (عليه السلام) وعرضت عليه قضية الحسين (عليه السلام)؛ فيا لها من مصيبة ما أعظمها، فنسأل الله بحق الحسين أن يشفع لنا يوم الحشر، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله بيته الطيبين الطاهرين.
الهوامش:
[1] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي: 39/1.
[2] - الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)، السيد جعفر مرتضى العاملي: 2/288.
[3] - سورة مريم: الآية 54.
[4] - كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه: 139.
[5] - وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي: 3/ 265.