الأسدية المواسية

مقالات وبحوث

الأسدية المواسية

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 09-09-2019

الباحث محمد حمزة الخفاجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين ...
وبعد ...
في المواقف الصعبة والحرجة تظهر النوايا ويتضح الإنسان أكان شجاعا أم جبانا مؤمنا أم كافرا قويا أم ضعيفا كريما أم شحيحا، وهذا ما ظهر في الأحداث التي جرت على النبي وعترته (صلوات الله عليهم)، إذ أظهر الله شجاعة علي وخديجة وبعض الطيبين من الصحابة والتابعين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

كذلك ما حدث بالطف وما جرى على ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان أصعب حيث لا ناصر ولا معين إلا ثلة من الرجال والنساء الطاهرات .

وقد أظهر الله بطولات نسوة كان لها الأثر الكبير  في إيضاح ما أراده الله فلولاهن لخفي علينا كثير من الأمور، فعبر مسير السبايا أظهر الله الحقائق فبان حكم آل أبي سفيان حتى كشف الستار للناس واتضحت لهم الأمور بعد قتل الإمام الحسين (عليه السلام) وأسر عياله وما أحدثوا من جرائم بحق الإنسانية.

ومن تلك النسوة التي أحببنا أن نسلط الضوء عليها هي زوجة الأنصاري علي بن مظاهر (رضوان الله تعالى عليهما).

يروى أن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال للأنصار: (. . ألا ومن كان في رحله امرأة فلينصرف بها إلى بني أسد، فقام علي بن مظاهر وقال: ولماذا يا سيِّدي؟ فقال (عليه السلام): إن نسائي تُسبى بعد قتلي، وأخاف على نسائكم من السبي، فمضى علي بن مظاهر إلى خيمته فقامت زوجته إجلالا له، فاستقبلته وتبسَّمت في وجهه، فقال لها: دعيني والتبسُّم، فقالت: يا ابن مظاهر! إني سمعت غريب فاطمة (عليها السلام) خطب فيكم، وسمعت في آخرها همهمة ودمدمة فما علمت ما يقول، قال: يا هذه! إن الحسين (عليه السلام) قال لنا: ألا ومن كان في رحله امرأة فليذهب بها إلى بني عمِّها لأني غداً أُقتل ونسائي تُسبى، فقالت: وما أنت صانع؟ قال: قومي حتى ألحقك ببني عمِّك بني أسد، فقامت ونطحت رأسها في عمود الخيمة وقالت: والله ما أنصفتني يا ابن مظاهر، أيسرُّك أن تُسبى بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا آمنة من السبي؟ ! أيسرُّك أن تُسلب زينب إزارها من رأسها وأنا أستتر بإزاري؟! أيسرُّك أن تذهب من بنات الزهراء أقراطها وأنا أتزيَّن بقرطي؟! أيسرُّك أن يبيضَّ وجهك عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله) ويسودَّ وجهي عند فاطمة الزهراء؟! والله أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء.

فرجع علي بن مظاهر إلى الحسين (عليه السلام) وهو يبكي، فقال له الحسين (عليه السلام): ما يبكيك؟ فقال: سيِّدي ! أبت الأسديَّة إلاَّ مواساتكم، فبكى الحسين (عليه السلام) وقال: جزيتم عنّا خيراً)[1].

فمثل هذه المواقف لا تنسى، وسبحانه وتعالى سجل تلك البطولات وأظهر للخلق مواقف تلك النسوة لتكون هذه السيدات قدوة للأجيال.

فهذه السيدة الطيبة سجلت اسمها في سجل السبايا الذي اختارهم الله لهذه المهمة، فتلك النسوة لها مكانة ومنزلة لا يعلمها الا الله والراسخون في العلم.

يروى أن أمير المؤمنين (عليه السالم) قال للسيدة زينب (عليها السلام) قبل أن يرتحل لجوار ربه (. . وكأني بك وببنات أهلك سبايا بهذا البلد أذلاء خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس، فصبرا صبرا، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لله على ظهر الأرض يومئذ ولي غيركم وغير محبيكم وشيعتكم)[2].

فموقف هذه السيدة مع الحسين (عليه السلام) يعادل موقف زوجها، فكلاهما يجاهد بطريقته فكان جهاد النساء هو الصعود على تلك الجمال والمسير ما بين البلدان، لتمثل تلك النسوة الجانب  الإعلامي الذي عن طريقه أظهر الله مظلومية سيد الشهداء ومظلومية العترة الطاهرة.

فنسأل الله بحق تلك النسوة أن يجعلنا سعداء في الدنيا والآخرة وأن لا يحرمنا خدمة الحسين وأهل بيته الكرام وأن يحشرنا معهم وفي زمرتهم، والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1] - موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): 498.
[2] - بحار الأنوار: 28 / 60.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2750 Seconds