حَبِيب بن مظاهر.. الرجل الفقيه:

مقالات وبحوث

حَبِيب بن مظاهر.. الرجل الفقيه:

6K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 12-09-2019

عمَّار حسن الخزاعي:
الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين
حبيب بن مظهر، أو مظاهر، أو مطهر، بن رئاب بن الأشتر بن حجوان الأسديّ الكنديّ ثم الفقعسيّ([1])، أدرك النبي محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت له صحبة معه([2])، وهو من  القواد الشجعان، نزل الكوفة وصحب علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حروبه كلها([3])، وهو من أصحاب الإمام علي والحسن والحسين (عليهم السلام)([4]) وكان رجل ذو جمال وكمال، ومن حفَّاظ القرآن، ومن عادته أنَّه يختم القرآن في كلِّ ليلة من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر([5])، وقد تفانى حبيب بن مظاهر في نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى صار في شرطة الخميس، وهم فدائيو أمير المؤمنين (عليه السلام)([6])، وكان حبيب من تلامذة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن الذين حظوا برعايته الخاصَّة وتشرَّبوا من مكنون علومه، وكان ممَّن خصَّه أمير المؤمنين (عليه السلام) ببعض الأسرار المكنونة، وممَّا يدلُّ على ذلك ما روي بأنَّ ميثم التمار (رضوان الله عليه) مرَّ ((على فرس له فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد، فتحدَّثا حتَّى اختلفت أعناق فرسيهما، ثم قال حبيب: لكأنَّي بشيخٍ أصلع ضخم البطن، يبيع البطيخ عند دار الرزق، قد صلب في حبِّ أهل بيت نبيه (عليه السلام) ويبقر بطنه على الخشبة، فقال ميثم: وإنِّي لأعرف رجلًا أحمر له ضفيرتان، يخرج لنصرة ابن بنت نبيه، ويقتل ويجال برأسه بالكوفة))([7])، وقد صدق الاثنان فكانت نهاية ميثم مصلوبًا في الكوفة، وظلَّ حبيب (رضوان الله عليه) مواليًا لأهل البيت (عليهم السَّلام) بالقول والفعل، حتَّى إذا هلك معاوية بن أبي سفيان فاجتمعت وجوه الشيعة في دار سليمان بن صرد الخزاعي بالكوفة، وكان حبيب بن مظاهر أحد تلك الوجوه، ثمَّ إنَّهم كتبوا إلى الحسين بن علي (عليه السلام): ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لحسين بن علي من سُلَيْمَان بن صرد والمسيب ابن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته من الْمُؤْمِنِينَ والمسلمين من أهل الْكُوفَة: سلام عَلَيْك، فإنَّا نحمد إليك اللَّه الَّذِي لا إله إلا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ، فالحمد لِلَّهِ الَّذِي قصم عدوك الجبار العنيد الَّذِي انتزى عَلَى هَذِهِ الأمة فابتزها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمر عَلَيْهَا بغير رضًا منها، ثُمَّ قتل خيارها، واستبقى شرارها، وجعل مال اللَّه دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبعدًا لَهُ كما بعدت ثمود! إنَّه ليس علينا إمام، فأقبل لعلَّ اللَّه أن يجمعنا بك عَلَى الحق، والنعمان ابن بشير فِي قصر الإمارة لسنا نجتمع مَعَهُ فِي جمعة، وَلا نخرج مَعَهُ إِلَى عيد، ولو قَدْ بلغنا أنَّك قَدْ أقبلت إلينا أخرجناه حَتَّى نلحقه بِالشَّامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، والسلام ورحمة اللَّه عَلَيْك))([8])، ولمَّا وصل هذا الكتاب إلى الإمام الحسين (عليه السلام) ثمَّ تبعته كتب أُخرى تطلب منه المسير إلى العراق وإعلان الثورة ضدَّ بني أُميَّة، وهنا أرسل الحسين (عليه السلام) ابن عمِّه مسلم بن عقيل (عليه السلام)، ولمَّا وصل مسلم إلى الكوفة نزل في دار المختار بن أبي عبيد الثقفي، وأقبلت الشيعة تختلف إليه فجعل حبيب ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للحسين (عليه السلام) في الكوفة([9])، ومن هنا يظهر جليًّا أهميَّة حبيب بن مظاهر في الترتيب ليوم كربلاء، ولما قدم الحسين (عليه السلام) إلى العراق فأرسل كتابًا إلى حبيب بن مظاهر وهو في الطريق جاء فيه: ((من الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الرجل الفقيه حبيب بن مظاهر، أمّا بعد يا حبيب، فأنت تعلم قرابتنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنت أعرف بنا من غيرك، وأنت ذو شيمة وغيرة، فلا تبخل علينا بنفسك، يجازيك جدِّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة، ثم أرسله إلى حبيب، وكان حبيب جالساً مع زوجته، وبين أيديهما طعام يأكلان، إذ غصَّت زوجته فقالت: الله أكبر يا حبيب، الساعة يرد علينا كتاب كريم من رجل كريم، فبينما هم في الكلام، وإذا بطارق يطرق الباب، فخرج إليه حبيب وقال: من الطارق ؟ قال: أنا رسول الحسين (عليه السلام) إليك، فقال حبيب: الله أكبر ! صدقت الحرَّة بما قالت، ثم ناوله الكتاب، ففضَّه وقرأه، فسألته زوجته عن الخبر فأخبرها فبكت وقالت: بالله عليك يا حبيب لا تُقصّر عن نصرة ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: أجل، حتَّى أُقتل بين يديه وتصبغ شيبتي من دم نحري))([10])، وهذا يشير بشكلٍ واضح إلى أهميَّة حبيب عند الحسين (عليه السلام)، وفي يوم كربلاء جعله الحسين (عليه السلام) على ميسرته، وكان من السبعين رجلًا الذين استبسلوا في ذلك اليوم، وقد عرض عليهم الأمان والأموال لكي يتركوا الحسن (عليه السلام)، ولكنَّهم أبوا وقالوا: لا عذر لنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن قتل الحسين وفينا عين تطرف([11])، وكان عمر حبيب في يوم وقعة كربلاء خمسةً وسبعين سنة([12])، وفي ليلة عاشوراء خرج الحسين عليه السلام في جوف الليل إلى خارج الخيام يتفقد التلاع والعقبات تبعه نافع بن هلال الجملي، ثم رجع (عليه السلام) وهو قابض على يد نافع، ثم دخل الحسين خيمة زينب ووقف نافع بإزاء الخيمة ينتظره، فسمع ((زينب (عليها السلام) تحدث الحسين (عليه السلام ) في استعلامه نيات أصحابه ثمَّ دخل الحسين (عليه السلام) خيمة زينب، ووقف نافع بإزاء الخيمة ينتظره، فسمع زينب تقول له: هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة، فقال لها: والله لقد بلوتهم، فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمه، قال نافع: فلمَّا سمعت هذا منه بكيت وأتيت حبيب بن مظاهر وحكيت ما سمعت منه ومن أخته زينب، قال حبيب: والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة، قلت: إنِّي خلفته عند أخته وأظن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهوهن بكلام يطيب قلوبهن  .فقام حبيب ونادى: يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة، فتطالعوا من مضاربهم كالأسود الضارية، فقال لبني هاشم: ارجعوا إلى مقركم لا سهرت عيونكم  .ثم التفت إلى أصحابه وحكى لهم ما شاهده وسمعه نافع، فقالوا بأجمعهم :والله الذي منَّ علينا بهذا الموقف لولا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا الساعة ! فطب نفسًا وقر عينًا فجزاهم خيرا .وقال: هلموا معي لنواجه النسوة ونطيب خاطرهن، فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح: يا معشر حرائر رسول الله هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلَّا في رقاب من يريد السوء فيكم، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم))([13])، ولمَّا حان صباح العاشر وزَّع الحسين (عليه السلام) عسكره فجعل زهير بن القين على الميمنة، وحبيب بن مظاهر على الميسرة، ووقف في القلب وأعطى الراية لأخيه العباس (عليه السلام)([14])، وبدأ القتال وصار أصحاب الحسين (عليه السلام) يتسابقون إلى المنيَّة بكلِّ شجاعة وبأس وحميَّة، ولمَّا صُرع مسلم بن عوسجة (رضوان الله عليه) مشى إليه الحسين (عليه السلام) بصحبة حبيب بن مظاهر، فقال له حبيب: ((عزَّ عليَّ مصرعك يا مسلم، أَبشر بالجنّة، فقال له مسلم قولاً ضعيفاً: بشّرك اللّه بخير، فقال حبيب: لولا أنّي أعلمُ أنّي في أثرك لاحقٌ بك من ساعتي هذه لأحببتُ أن توصي إليَّ بكلّ ما أهمّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك بما أنت له أهل من الدين والقرابة، فقال له: بلى، أوصيك بهذا رحمك اللّه! وأومأ بيديه إلى الحسين (عليه السلام) أنْ تموت دونه، فقال حبيب: لأنعمنك عينًا))([15])، ثمَّ يبرز حبيب (رضوان الله عليه) وهو يرتجز([16]):

انا حبيب وأبي مظاهر * فارس هيجاء وحرب تسعر

ونحن أوفى منكم واصبر * ونحن أعلى حجة واظهر

حقا واتقى منكم واعذر

فقاتل قتال الأبطال حتَّى قُتل شهيدًا (رضوان الله عليه)، ومضى خالدًا عند ربِّه في جنَّات الرحمن. ألحقنا الله تعالى به في جملة الصالحين الموالين لأهل البيت (عليهم السلام)..
الهوامش:
([1]) الأعلام، الزركلي: 2/166 .
([2]) الإصابة في تمييز الصحابة: 2/142 .
([3]) الأعلام: 2/166 .
([4]) رجال الطوسي، الطوسي: 60، 93، 100 .
([5]) ينظر: أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين: 4/554 .
([6]) ينظر: الاختصاص، المفيد: 2 ــ 7 .
([7]) بحار الأنوار: 45/92 – 93 .
([8]) تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري: 5/352 .
([9]) الأمين، أعيان الشيعة: 4/554 .
([10]) المجالس العاشورية في المآتم الحسينية:
([11]) ينظر: أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين: 4/553 ، الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (ت: 1396هـ): 2/166 .
([12]) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين: 4/554 .
([13]) ليلة عاشوراء في الحديث والأدب: 47 – 48 .
([14]) مقتل الحسين، الخوارزمي:2/7
([15]) بحار الأنوار: 45/20 .
([16]) مثير الأحزان، ابن نما الحلي: 46 .

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2491 Seconds