عبد الله بن عمير الكلبي ثاني من يستشهد في أرض الطَّف.

مقالات وبحوث

عبد الله بن عمير الكلبي ثاني من يستشهد في أرض الطَّف.

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 14-09-2019

الباحِث: سَلَام مَكيّ خضَيّر الطَّائِي.
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين، واللّعن الدَّائم على أعدائِهم من الأَوَّلين والآخرين، ما بقيت وبقي اللَّيل والنَّهار، أجمعين إلى قيامِ يوم الدِّين...

أمَّا بعد...

فإن أهل بيت النّبوة (عليهم السَّلَام) هم سُفنُ النَّجاة من الهلاك، والنّورُ الذي به يهتدي المهتدون إلى الطّريق المُستقيم وعدم التّيه في الظّلمات، فمن تمسّك بهم (عليهم السَّلَام) ووالاهم وأطاعهم ودافع عنهم ضد أعدائِهم وكان من أنصارهم، سينجو يوم القيامة من الهلاك وستكون له درجة عالية عند الله تعالى، فمن هؤلاء الذين وقفوا مع آل مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) ونصروهم: (عبد الله بن عمير الكلبي) وهو من الذين نصروا الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) في ثورته الإصلاحيَّة يوم معركة طف كربلاء.

بطاقته الاجتماعية:

اسمه ونسبه: عبد الله بن عمير الكلبي من بني عليم بن جناب بطن من كنانة عذرة، من قضاعة، وكلب من قضاعة، من القحطانية (يمن، عرب الجنوب)[1].

صفاته:

كان الأنصاري عبد الله بن عمير الكلبي، شابًّا بطلًا شجاعًا، مقاتلًا شديد المراس من الكوفة، من أعظم الثوار حماسًا، ذا إيمان وعقيدة صادقين، ومن المحبّين الموالين لآل البيت النَّبويّ (عليهم الصَّلَاة والسَّلَام)، ومن المدافعين عنهم، فخرج (رضوان الله عليه) عندما سمِع الحشود الضَّالة تتحشَّد لقتال الإمام الحُسَين وأهل بيته (عليهم السَّلَام)، وهذا ما كان إلَّا عن صدق الإيمان والعقيدة والإخلاص والولاء لآل البيت الأطهار (عليهم السَّلَام)، ، لا يهاب الموت من أجل نصرة دعاة الإسلام الخلّص؛ كآل بيت النّبوَّة (عليهم السَّلَام)[2].

حياته الجهادية ومواقفه:

كان (رضوان الله عليه) كسائر الصَّحابة المخلصين والأنصار، له باع طويل في الدّفاع عن الدِّين الإسلامي ومجاهدة أعدائه، فيروى عنه (رضوان الله عليه) إنَّه قال: (والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصًا)[3].

نصرته للإمام الحُسَين (عليه السَّلَام):

قام عبد الله بن عمير الكلبي، لما رأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) فسأل عنهم فقيل له: (يسرحون إلى حُسَين بن فَاطِمَة (عليهما السَّلَام) بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، فقال: والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصًا، وإنّي لأرجو أَلَّا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيّهم أيسر ثوابًا عند الله من ثوابه إيّاي في جهاد المشركين، فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يريد، فقالت: أصبت أصاب الله بك ارشد أمورك افعل وأخرجني معك، فخرج بها ليلًا، حتى أتى الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) فأقام معه، فلمَّا برز يسار وسالم قام عبد الله بن عمير الكلبي فقال للإمام الحُسَين (عليه السَّلَام): أبا عبد الله، رحمك الله ائذن لي فلأخرج إليهما، فرأى الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) رجلًا آدم طويلًا شديد السّاعدين بعيد ما بين المنكبين[4]، فقال له الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام): (إنّي لأحسبه للأقران قتالًا اخرج إن شئت)[5]، قال: فخرج إليهما فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفك، ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن حضير، ويسار مستنتل امام سالم، فقال له الكلبي: يا ابن الزّانية، وبك رغبة عن مبارزة أحد من النَّاس، يخرج إليك أحد من النَّاس، ألا وهو خير منك؟ ثم شد عليه فضربه بسيفه حتّى برد، فإنّه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شد عليه سالم فصاحوا به: قد رهقك العبد، فلم يأبه له حتّى غشيه فبدره الضربة فاتقاه عبد الله بن عمير الكلبي بيده اليسرى فأطار أصابع كفه اليسرى، ثم مال عليه الكلبي، فضربه حتى قتله، وأقبل الكلبي مرتجزًا وهو يقول وقد قتلهما جميعًا[6]:

ان تنكروني فانا ابن كلب * حسبي ببيتي في عليم حسبي.

اني امرؤ ذو مرة وعصب * ولست بالخوار عند النّكب.

اني زعيم لك أم وهب * بالطّعن فيهم مقدمًا والضّرب.

ضرب غلام مؤمن بالرَّب)[7].

فأخذت أم وهب امرأته عمودًا ثم أقبلت نحو زوجها تقول له: فداك أبي وأمي قاتل دون الطّيبين ذرية مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، فاقبل إليها يردّها نحو النّساء فأخذت تجاذب ثوبه، ثم قالت: إنّي لن أدعك دون أن أموت معك، فناداها الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) فقال: ((جزيتم من أهل بيت خيرًا، ارجعي رحمك الله إلى النَّساء فاجلسي معهن، فإنّه ليس على النَّساء قتال))، فانصرفت إليهن[8].

شهادة عبد الله بن عمير (رضوان الله عليه):

استر عبد الله بن عمير الكلبي بالقتال دون الإمام الحُسَين وأهل بيته الأطهار (عليهم السَّلَام)، فقاتل قتالًا شديدًا حتّى قتل رجلين آخرين، إلى أن نال الشهادة في معركة طف كربلاء، وهو يقاتل دون آل بيت النَّبي مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، فقام بقتله هاني بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حي التّيمي، وخرجت امرأته أم وهب (رضوان الله عليها) فجلست عند رأسه تمسح التّراب عن وجهه وتقول: هنيئًا لك الجنّة، فأمر الشمر بن ذي الجوشن –لعنه الله تعالى- غلامًا له يقال له: رستم فضرب رأسها بالعمود فماتت مكانها[9]، وكان الشَّهِيد الثَّاني من أصحاب الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)[10]، وزوجته أم وهب أول شهيدة في الطف.

فهنيئًا لكل من نال الشَّهادة ومات على حبّ النَّبيّ مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) وحبّ آل بيته الأطهار المنتجبين (عليه الصَّلَاة والسَّلَام)، ولعن الله قاتليهم وأعدائه إلى قيام يوم الدِّين إنَّه سميعٌ عليم...

الهوامش:
[1] يُنظر: أنصار الحُسَين (عليه السَّلَام)، الشَّيخ مُحمَّد مهدي شمس الدِّين: 99.
[2] يُنظر: أنصار الحُسَين (عليه السَّلَام)، الشَّيخ مُحمَّد مهدي شمس الدِّين: 99.
[3] لواعج الأشجان، السَّيِّد مُحسِن الأمين: 138.
[4] ينظر: معالم المدرستين، السَّيِّد مرتضى العسكري: 3/ 103-104.
[5] تاريخ الطبري، مُحمَّد بن جرير الطّبري: 4/327.
[6] ينظر: مستدركات أعيان الشّيعة، حسن الأمين: 1/95.
[7] معالم المدرستين، السَيِّد مرتضى العسكري: 3/103-104.
[8] مقتل الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، أبو مخنف الأزدي: 124.
[9] ينظر: لواعج الأشجان، السَّيِّد مُحسِن الامين: 139.
[10] يُنظر: أنصار الحُسَين (عليه السَّلَام)، الشَّيخ مُحمَّد مهدي شمس الدِّين: 99.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3697 Seconds