علي فاضل الخزاعي
الحمد لله المنتقم ممن خالفه، المهلك من آسفه، المتوحد في قهره، المتفرد بعز أمره، والصَّلَاة والسَّلَام على حبيبه المُصْطَفَى مُحَمَّدٍ وآله الأطهَار (عليهم أفضل الصَّلَاة وأتم التَّسليم).
وبعد...
عند البحث والتمحيص عن هذه الشخصية العظيمة المحنكة واللامعة التي قادت أكبر ثورة ضد بني أمية للأخذ بثأر الإمام الحسين (عليه السَّلَام) وشفى صدور أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم؛ فحريٌ علينا أن تتبع بعض ما جاء عن هذه الشخصية العظيمة ونُبيّن للقارئ الكريم دورها وما قامت به في الدفاع عن أهل البيت (عليهم السلام).
اسمه ونسبه:
أبو إسحاق بن أبي عبيد بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف الثّقفي كان أبوه من جلّة الصحابة وولد المختار عام الهجرة[1].
كان محبًّا لأهل البيت (عليهم السَّلَام)، وكان من المعاصرين للإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، وكان صادق الولاء لأهل البيت (عليه السَّلَام)، مبغضًا لأعدائهم، وحانقًا عليهم، وقد كان قتله لمرتكبي جرائم كربلاء عن إيمان وصدق، وحرص ظاهر، نابع من قناعة بهذا الأمر، ولم يكن ذلك بهدف الإعلام السياسي، كما هو ظاهر. وقد ترحم عليه الإمام السَّجاد (عليه السَّلَام) فيما روي عنه (صلوات الله وسلامه عليه)[2].
ما قاله أهل البيت (عليهم السَّلَام) بحقّه:
عن سدير، عن أبي جعفر (عليه السَّلَام) قال: (لا تسبوا المختار فإنه قتل قتلتنا وطلب بثأرنا وزوج أراملنا وقسم فينا المال على العسرة)[3].
وعن عبد الله بن شريك قال: (دخلنا على أبي جعفر (عليه السَّلَام) يوم النحر وهو متكئ وقد أرسل إلى الحلاق فقعدت بين يديه إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبلها فمنعه، ثم قال (عليه السَّلَام): ((من أنت؟)) قال: أنا أبو محمد الحكم ابن المختار بن أبي عبيدة الثقفي- وكان متباعدًا من أبي جعفر (عليه السَّلَام)-، فمد يده إليه حتى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده ثم قال: أصلحك الله إن الناس قد أكثروا في أبي وقالوا والقول والله قولك، قال (عليه السَّلَام): ((وأي شيء يقولون؟)) قال: يقولون: كذاب، ولا تأمرني بشيء الا قبلته، فقال (عليه السَّلَام): ((سبحان الله أخبرني أبي والله أن مهر أمي كان مما بعث به المختار، أولم يبن دورنا وقتل قاتلينا وطلب بدمائنا؟! رحمه الله، وأخبرني والله أبي أنه كان ليتم عند فَاطِمَة بنت عَلِيّ يمهد لها الفراش ويثني لها الوسائد ومنها أصاب الحديث رحم الله أباك رحم الله أباك ما ترك لنا حقًا عند أحد إلا طلبه، قتل قتلتنا وطلب بدمائنا)))[4].
وعن الأصبغ قال: رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) وهو يمسح رأسه ويقول: (يا كيس يا كيس)[5].
الأخذ بثأر الإمام الحسين (عليهم السَّلَام):
لما أستشهد الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) سنة 61 ه، كان المختار في هذا الوقت أكبر همه منذ دخل الكوفة أن يقتل من قاتلوا الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)[6]، فهب الثائر العظيم المختار الثّقفي طالبًا بدم الإمام المظلوم فأخذ يطاردهم ويلاحقهم، وكان لا يبلغه عن رجل من أعداء الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) أنّه في دار أو في موضع إلَّا قصده، وقد هربوا هؤلاء القتلة في البيداء وشرطة المختار تطاردهم حتى قتل كثيرًا منهم[7]، فلم يبق من قتلة الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) أحد إلا عوقب إما بالقتل أو العمى أو سواد الوجه، أو زوال الملك في مدة يسيرة[8].
وفاته (رضوان الله عليه):
كانت وفاة المختار الثقفي في يوم الرابع عشر من رمضان من سنة (67 هـ، أو 68هـ)، فقد قُتِلَ بيد عبد الرحمن بن أسد الحنفي، وقتل أعوانه واستولى على الكوفة وقتل من أعوان المختار سبعة آلاف[9].
فما تم ذكره فهو قليل بحق هذا الثائر العظيم ودوره في بذل أقصى ما في وسعه وتتبعه للعصابة المارقة التي قاتلت ابن بنت نبيّها (صلَّى الله عليه وآله) وقتلهم، فرحم الله أبا إسحاق واللعن الدائم على من تلطخت دمائهم بقتل الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام).
والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1] ينظر: أسد الغابة، ابن الأثير: 4/ 336.
[2] ينظر: مختصر مفيد، السيد جعفر مرتضى العاملي: 4/250.
[3] طرائف المقال، السَّيِّد عليّ البروجردي: 2/587.
[4] ملاذ الأخيار في تهذيب الأخبار، العلَّامة المجلسي: 314-315.
[5] ينظر: وسائل الشِّيعة (الإسلامية) الحر العاملي: 20/ 347.
[6] ينظر: الأعلام، الزركلي: 7/192.
[7] ينظر: طرائف المقال: 2/ 591.
[8] ينظر: من أخلاق الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام)، عبد العظيم المهتدي البحراني: 258.
[9] ينظر: سير أعلام النّبلاء، الذَّهبي: 4/ 123، مستدرك علم رجال الحديث، الشيخ علي النَّمازي الشاهرودي: 7/424.